يكون اسم مصدر ، وهو الإنزال أو النزول ، وأن يكون اسم (١) مكان النزول أو الإنزال ، إلا أن القياس «منزلا» بالضم والفتح لقوله : «أنزلني» (٢). وأما الفتح والكسر فعلى نيابة مصدر الثلاثي مناب مصدر الرباعي (٣) كقوله : (أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَباتاً)(٤) ، وتقدم نظيره في «مدخل» و «مدخل» في سورة النساء (٥) واختلفوا في المنزل ، فقيل : نفس السفينة ، وقيل : بعد خروجه من السفينة منزلا من الأرض مباركا. والأول أقرب ، لأنه أمر بهذا الدعاء حال استقراره ، فيكون هو المنزل دون غيره (٦).
ثم قال : (وَأَنْتَ خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ) ، وذلك أن الإنزال في الأمكنة قد يقع من غير الله كما يقع من الله ، لأنه يحفظ من أنزله (٧) في سائر أحواله (٨). ثم بين تعالى أن فيما ذكر من قصة نوح وقومه «آيات» دلالات وعبر في الدعاء إلى الإيمان ، والزجر عن الكفر ، فإن إظهار تلك المياه العظيمة ، ثم إذهابها لا يقدر عليه إلا القادر على كل المقدورات ، وظهور تلك الواقعة على وفق قول نوح ـ عليهالسلام (٩) ـ يدل على المعجز العظيم ، وإفناء الكفار ، وبقاء الأرض لأهل الطاعة من أعظم أنواع العبر (١٠). قوله : (وَإِنْ كُنَّا لَمُبْتَلِينَ) «إن» مخففة ، و «اللام» فارقة. وقيل : «إن» نافية و «اللام» بمعنى «إلا» (١١) وتقدم ذلك مرارا فعلى الأول معناه : وقد كنا ، وعلى الثاني : ما كنا إلا مبتلين ، فيجب على كل مكلف أن يعتبر بهذا الذي ذكرناه (١٢). وقيل : المراد لمعاقبين من كذب الأنبياء ، وسئلك مثل طريقة قوم نوح (١٣). وقيل : المراد كما عاقب بالغرق من كذب فقد نمتحن من لم يكذب على وجه المصلحة لا على وجه التعذيب (١٤) ، لكيلا (١٥) يقدر أن كل الغرق يجري على وجه واحد(١٦).
__________________
(١) في ب : اسم مصدر.
(٢) لأن الفعل المتقدم رباعي.
(٣) انظر الكشف ٢ / ١٢٨ ، البيان ٢ / ١٨٢ ـ ١٨٣ ، التبيان ٢ / ٩٥٣.
(٤) من قوله تعالى :«وَاللهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَباتاً» [نوح : ١٧] واستشهد بالآية على أن (نباتا) اسم مصدر وقع موقع مصدر «أنبت» التبيان ٢ / ١٢٤٢.
(٥) عند قوله تعالى : «إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلاً كَرِيماً»[النساء : ٣١].
(٦) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ٩٦.
(٧) في ب : إنزاله. وهو تحريف.
(٨) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ٩٦.
(٩) في ب : عليه الصلاة والسلام.
(١٠) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ٩٦.
(١١) انظر البيان ٢ / ١٨٢ ، التبيان ٢ / ٩٥٣ ، المغني ١ / ٢٣١ ـ ٢٣٢ ، شرح التصريح ١ / ٢٣٠ ـ ٢٣٢ ، الهمع ١ / ١٤١ ـ ١٤٢ ، شرح الأشموني ١ / ٢٨٨ ـ ٢٩٠.
(١٢) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ٩٧.
(١٣) المرجع السابق.
(١٤) في ب : التكذيب. وهو تحريف.
(١٥) في ب : لكن لا. وهو تحريف.
(١٦) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ٩٧.