على قاعدة تنوين أسماء الأفعال دخوله دال على التنكير ، وخروجه دال على التعريف (١).
قال القيسي : من نوّن اعتقد تنكيرها ، وتصوّر معنى المصدر النكرة ، كأنه قال : بعدا بعدا. ومن لم ينوّن اعتقد تعريفها ، وتصوّر معنى المصدر المعرفة ، كأنه قال : البعد البعد فجعل التنوين دليل التنكير وعدمه دليل التعريف (٢) انتهى.
ولا يوجد تنوين التنكير إلا في نوعين : أسماء الأفعال وأسماء الأصوات (نحو صه وصه ، وبخ وبخ ، والعلم المختوم ب (ويه)) (٣) نحو سيبويه وسيبويه ، وليس بقياس بمعنى : أنه ليس لك أن (٤) تنوّن منها ما شئت بل ما سمع تنوينه اعتقد تنكيره (٥). والذي يقال في القراءات المتقدمة : إنّ من نوّن جعله للتنكير كما تقدم. ومن لم ينوّن جعل عدم التنوين للتعريف. ومن فتح فللخفة وللاتباع. ومن كسر فعلى أصل التقاء الساكنين ، ومن ضم فتشبيها بقبل وبعد. ومن سكّن فلأنّ أصل البناء السكون. ومن وقف بالهاء فاتباعا للرسم ، ومن وقف بالتاء فعلى الأصل سواء كسرت التاء أو فتحت ، لأنّ الظاهر أنهما سواء ، وإنما ذلك من تغيير اللغات وإن كان المنقول عن مذهب سيبويه (٦) ما تقدم. هكذا ينبغي أن تعلل القراءات المتقدمة. وقال ابن عطية فيمن ضم ونوّن (٧) : إنه اسم معرب مستقل مرفوع بالابتداء ، وخبره (لِما تُوعَدُونَ) أي : البعد لوعدكم (٨) ، كما تقول : النجح لسعيك (٩).
وقال الرازي في اللوامح : فأمّا من رفع ونوّن احتمل أن يكونا (١٠) اسمين (١١) متمكنين مرفوعين ، خبرهما من حروف الجر بمعنى : البعد لما توعدون ، والتكرار للتأكيد ، ويجوز أن يكونا اسما للفعل ، والضم للبناء مثل : حوب (١٢) في زجر الإبل لكنه نوّنه (لكونه) (١٣) نكرة (١٤).
قال شهاب الدين : وكان ينبغي لابن عطية وأبي (١٥) الفضل أن يجعلاه اسما أيضا في حالة النصب مع التنوين على أنه مصدر واقع موقع الفعل (١٦) وقرأ ابن أبي عبلة : «هيهات هيهات ما توعدون» من غير لام جر (١٧). وهي واضحة ، مؤيدة لمدعي زيادتها
__________________
(١) انظر شرح المفصل ٤ / ٧٠ ـ ٧٢ ، شرح الكافية ٢ / ٦٩ ، شرح التصريح ٢ / ٢٠٠ ـ ٢٠١ ، الهمع ٢ / ١٠٥.
(٢) إيضاح شواهد الإيضاح ١ / ١٩٣.
(٣) ما بين القوسين تكملة لاستيفاء الكلام.
(٤) في ب : إن لم. وهو تحريف.
(٥) تقدم قريبا.
(٦) انظر مذهب سيبويه فيما تقدم قريبا.
(٧) وهي قراءة الأحمر وأبي حيوة.
(٨) في ب : لو عدتم. وهو تحريف.
(٩) تفسير ابن عطية ١٠ / ٣٥٥ ـ ٣٥٦.
(١٠) في النسختين : أن يكون.
(١١) في ب : الاسمين.
(١٢) أصل الحوب : الجمل ، ثم كثر حتى صار زجرا له. اللسان (حوب).
(١٣) لكونه : تكملة من البحر المحيط.
(١٤) البحر المحيط ٦ / ٤٠٥.
(١٥) في ب : ولأبي.
(١٦) الدر المصون : ٥ / ٨٨.
(١٧) تفسير ابن عطية ١٠ / ٣٥٧ ، البحر المحيط ٦ / ٤٠٥ وتكون (ما) فاعلة ب (هيهات).