لنبينا ـ عليهالسلام (١) ـ ، أي : دع (٢) هؤلاء الكفار في جهلهم (٣).
قوله : (فِي غَمْرَتِهِمْ) مفعول ثان ل «ذرهم» أي : اتركهم مستقرين (فِي غَمْرَتِهِمْ) ويجوز أن يكون ظرفا للترك ، والمفعول الثاني محذوف. والغمرة في الأصل الماء الذي يغمر القامة ، والمغمر (٤) الماء الذي يغمر الأرض ثم استعير ذلك للجهالة ، فقيل : فلان في غمرة والمادة تدل على الغطاء (٥) والاستتار ومنه الغمر ـ بالضم ـ لمن لم يجرب الأمور ، وغمار الناس وخمارهم زحامهم ، والغمر ـ بالكسر ـ الحقد ، لأنه يغطي القلب ، فالغمرات الشدائد ، والغامر : الذي يلقي نفسه في المهالك (٦). وقال الزمخشري : الغمرة الماء الذي يغمر القامة ، فضربت لهم مثلا لما هم فيه من جهلهم وعمايتهم ، أو شبهوا باللاعبين في غمرة الماء لما هم (٧) عليه من الباطل كقوله :
٣٨٠٠ ـ كأنّني ضارب في غمرة لعب (٨)(٩)
وقرأ أمير المؤمنين وأبو حيوة وأبو عبد الرحمن «غمراتهم» بالجمع (١٠) ، لأنّ لكل منهم غمرة تخصه. وقراءة العامة لا تأبى هذا المعنى ، فإنه اسم جنس مضاف (١١).
قوله : (حَتَّى حِينٍ) أي إلى أن يموتوا. وقيل : إلى حين المعاينة. وقيل : إلى حين العذاب (١٢). ولمّا كان القوم في نعم عظيمة في الدنيا جاز أن يظنوا أنّ تلك النعم كالثواب المعجل لهم إلى أديانهم ، فبيّن سبحانه أنّ الأمر بخلاف ذلك فقال : (أَيَحْسَبُونَ أَنَّما نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مالٍ وَبَنِينَ)(١٣) أي : أن ما نعطيهم ونجعله مددا لهم من المال والبنين في الدنيا ل (نُسارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْراتِ) أي : نعجل لهم في الخيرات ، ونقدّمها ثوابا بأعمالهم لمرضاتنا عنهم (بَلْ لا يَشْعُرُونَ) أنّ ذلك استدراج لهم (١٤).
قوله : (أَنَّما نُمِدُّهُمْ) في «ما» ثلاثة أوجه :
أحدها : أنها بمعنى الذي ، وهي اسم (أنّ) و (نمدّهم به) صلتها وعائدها محذوف ،
__________________
(١) في ب : عليه الصلاة والسلام.
(٢) في ب : ادع. وهو تحريف.
(٣) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ١٠٦.
(٤) في ب : والغمر.
(٥) في ب : لفظا. وهو تحريف.
(٦) انظر اللسان (غمر).
(٧) هم : تكملة من الكشاف.
(٨) عجز بيت من بحر البسيط قاله ذو الرمة وصدره :
ليالي اللهو يطبيني فأتبعه
وهو في الديوان ١ / ٣٨ ، اللسان (غمر ، طبى) وشرح شواهد الكشاف : (١٣).
طباه يطبوه ويطبيه : إذا دعاه. أي : يدعوني اللهو في ليال كثيرة فأتبعه كأني سابح في لجة من الماء تغمر القامة.
(٩) الكشاف ٣ / ٤٩ ـ ٥٠.
(١٠) البحر المحيط ٦ / ٤٠٩.
(١١) المرجع السابق.
(١٢) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ١٠٦.
(١٣) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ١٠٦.
(١٤) انظر البغوي ٦ / ٢٥.