أنهما قرآ «العمر» بسكون الميم (١) وهو تخفيف قياسي نحو عنق في عنق (٢).
قوله : (لِكَيْلا يَعْلَمَ) هذا الجار يتعلق ب «يرد» (٣) وتقدم نظيره في النحل (٤) والمعنى يبلغ من السن ما يتغير (٥) عقله فلا يعقل شيئا. فإن قيل : إنه يعلم بعض الأشياء كالطفل فالجواب : المراد أنه يزول عقله فيصير كأنه لا يعلم شيئا (٦). لأن مثل ذلك قد يذكر في النفي مبالغة. ومن الناس من قال هذه الحال لا تحصل للمؤمنين لقوله تعالى : (ثُمَّ رَدَدْناهُ أَسْفَلَ سافِلِينَ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا)(٧) وهو (٨) ضعيف ، لأن معنى قوله (ثُمَّ رَدَدْناهُ) دلالة على الذم ، فالمراد ما يجري مجرى العقوبة ، ولذلك قال (إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ)(٩) وهذا تمام الاستدلال بخلقة الحيوان (١٠). وأما الاستدلال بخلقة النبات فهو قوله تعالى : (وَتَرَى الْأَرْضَ هامِدَةً) فنصب «هامدة» على الحال ، لأن الرؤية بصرية. والهمود : الخشوع والسكون ، وهمدت الأرض : يبست ودرست ، وهمد الثوب: بلي (١١) ، قال الأعشى :
٣٧٤٨ ـ فالت قتيلة ما لجسمك شاحبا |
|
وأرى ثيابك باليات همّدا (١٢) |
والاهتزاز التحرك (١٣) ، وتجوز به هنا عن إنبات الأرض نباتها بالماء. والجمهور على «ربت» أي: زادت من ربا يربو (١٤). وقرأ أبو جعفر وعبد الله بن جعفر (١٥) وأبو
__________________
(١) في النسختين : العين. والصواب ما أثبته. المختصر (٩٤) ، البحر المحيط ٦ / ٣٥٣.
(٢) التخفيف بسكون الحرف الثاني في (عمر) و (عنق) كراهة توالي الثقلين في الثلاثي المبني على الخفة ، فسكن الثاني لامتناع تسكين الأول ، ولأن الثقل من الثاني حصل. وهذا من التفريعات في لغة تميم.
انظر شرح الشافية ١ / ٤٤.
(٣) انظر البحر المحيط ٦ / ٣٥٣.
(٤) وهو قوله تعالى : «وَاللهُ خَلَقَكُمْ ثُمَّ يَتَوَفَّاكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْ لا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئاً إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ قَدِيرٌ» [النحل : ٧٠]. وذكر هناك : في هذه اللام وجهان : أحدهما : أنها لام التعليّل ، وكي بعدها مصدرية لا إشعار لها بالتعليل والحالة هذه وأيضا فعملها مختلف. والثاني أنها لام الصيرورة.
انظر اللباب ٥ / ٢١٢.
(٥) في ب : يتعين. وهو تحريف.
(٦) في ب : كأنه لا يعلم شيئا فإن قيل إنه يعلم بعض الأشياء.
(٧) [التين : ٥ ، ٦].
(٨) وهو : سقط من الأصل.
(٩) [التين : ٦].
(١٠) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ١٠.
(١١) البحر المحيط ٦ / ٣٤٦.
(١٢) البيت من بحر الكامل قاله الأعشى ، وهو في ديوانه (٥٤) وتفسير ابن عطية ١١ / ٢٣١ ، القرطبي ١٢ / ١٣ ، البحر المحيط ٦ / ٣٣٦. ورواية الديوان : سايئا مكان شاحبا ، الشاحب : المتغير اللون لعارض من مرض أو سفر أو غيرهما. والثوب الهامد : المتقطع من طول طيه ، ينظر إليه الناظر فيحسبه سليما ، فإذا لمسه تناثر قطعا من البلى.
(١٣) في الأصل : التحريك.
(١٤) انظر التبيان ٢ / ٩٣٣.
(١٥) تقدم.