على اتخاذهم الأصنام آلهة ، ويحتمل أن يريد به إبطال قول النصارى والثنوية (١).
ثم إنه تعالى ذكر الدليل بقوله : (إِذاً لَذَهَبَ كُلُّ إِلهٍ بِما خَلَقَ وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ) أي: لانفرد كل واحد من الآلهة بما خلقه ، ولم يرض أن يضاف خلقه إلى غيره ، ومنع الإله الآخر عن الاستيلاء على ما خلق (وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ) أي : طلب بعضهم مغالبة بعض كفعل ملوك الدنيا فيما بينهم ، وحين لم تروا ذلك فاعلموا أنه إله واحد (٢).
قوله : «إذا» جواب وجزاء ، قال الزمخشري : فإن قلت : «إذا» لا تدخل إلّا على كلام هو جواب وجزاء ، فكيف وقع قوله : «لذهب» جوابا وجزاء ولم يتقدّم شرط ولا سؤال سائل قلت : الشرط محذوف تقديره : لو كان معه آلهة ، حذف لدلالة (وَما كانَ مَعَهُ مِنْ إِلهٍ)(٣).
وهذا رأي الفراء (٤) ، وقد تقدّم في الإسراء في قوله : (وَإِذاً لَاتَّخَذُوكَ خَلِيلاً)(٥) ثم إنه تعالى نزّه نفسه فقال : (سُبْحانَ اللهِ عَمَّا يَصِفُونَ) من إثبات الولد والشريك (٦).
قرىء : «تصفون» بتاء الخطاب (٧) وهو التفات.
قوله : (عالِمِ الْغَيْبِ). قرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر وحفص عن عاصم : بالجر (٨) على البدل من الجلالة (٩). وقال الزمخشري : صفة لله (١٠). كأنه محض الإضافة فتعرف المضاف (١١).
والباقون : بالرفع (١٢) على القطع خبر مبتدأ محذوف (١٣).
ومعنى الآية : أنه مختص بعلم الغيب والشهادة ، فغيره وإن علم الشهادة لكن لم
__________________
(١) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ١١٨ ، الثنوية : هم أصحاب الاثنين الأزليين ، يزعمون أنّ النور والظلمة أزليان قديمان بخلاف المجوس ، فإنهم قالوا بحدوث الظلام ، وذكروا سبب حدوثه ، وهؤلاء قالوا بتساويهما في القدم واختلافهما في الجوهر والطبع والفعل والحيز والمكان والأجناس والأبدان والأرواح. الملل والنحل ١ / ٢٤٤.
(٢) انظر الفخر الرازي ٣٣ / ١١٨.
(٣) الكشاف ٣ / ٥٤ ـ ٥٥.
(٤) انظر معاني القرآن ٢ / ٢٤١.
(٥) [الإسراء : ٧٣].
(٦) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ١٨.
(٧) المختصر (٩٨) ، البحر المحيط ٦ / ٤١٩.
(٨) السبعة (٤٤٧) ، الحجة لابن خالويه (٢٥٨) ، الكشف ٢ / ١٣١ ، النشر ٢ / ٣٢٩ الإتحاف ٣٢٠.
(٩) البيان ٢ / ١٩٩ ، التبيان ٢ / ٩٦٠.
(١٠) الكشاف ٣ / ٥٥ ، وانظر أيضا الكشف ٢ / ١٣١ ، التبيان ٢ / ٩٦٠.
(١١) المعروف أن إضافة اسم الفاعل إذا كان بمعنى الحال أو الاستقبال إضافة غير محضة (إضافة لفظية) ، أما إذا كان بمعنى الماضي فإضافته محضة لأنها ليست في تقدير الانفصال خلافا للكسائي.
فالزمخشري جعل إضافة (عالم) إضافة محضة.
شرح التصريح ٢ / ٢٨ ، الهمع ٢ / ٤٧ ـ ٤٨.
(١٢) السبعة (٤٤٧) ، الحجة لابن خالويه (٢٥٨) ، الكشف ٢ / ١٣١ ، النشر ٢ / ٣٢٩ الإتحاف (٣٢٠).
(١٣) انظر الكشاف ٣ / ٥٥ ، البيان ٢ / ١٨٨ ، التبيان ٢ / ٩٦٠.