يعلم الغيب ، لأن الشهادة لا يتكامل بها النفع إلا مع العلم بالغيب وذلك كالوعيد لهم فلذلك قال (١) : ((فَتَعالَى اللهُ) (٢) عَمَّا يُشْرِكُونَ)(٣).
قوله : «فتعالى» عطف على معنى (٤) ما تقدم ، كأنّه قال علم الغيب فتعالى كقولك : زيد شجاع فعظمت منزلته أي : شجع فعظمت. أو يكون على إضمار القول ، أي : أقول فتعالى الله (٥). قوله : (قُلْ رَبِّ إِمَّا تُرِيَنِّي ما يُوعَدُونَ) أي : ما أوعدتهم من العذاب قرأ العامة «ترينّي» بصريح الياء. والضحاك : «ترئنّي» بالهمز عوض الياء (٦) ، وهذا كقراءة : (فَإِمَّا تَرَيِنَّ)(٧) «لترؤنّ» (٨) بالهمز (٩) ، وهو بدل شاذ (١٠).
قوله : (رَبِّ فَلا تَجْعَلْنِي) جواب الشرط ، و «ربّ» نداء معترض بين الشرط وجزائه (١١) ، وذكر الربّ مرتين مرة قبل الشرط (١٢) ومرة قبل الجزاء مبالغة في التضرع (١٣).
فإن قيل : كيف يجوز أن يجعل الله نبيه مع الظالمين حتى يطلب أن لا يجعله معهم؟
فالجواب : يجوز أن يسأل العبد ربه ما علم أنه يفعله ، وأن يستعيذ به مما علم أنه لا يفعله إظهارا للعبودية وتواضعا لربه (١٤).
قوله : (وَإِنَّا عَلى أَنْ نُرِيَكَ) هذا الجار متعلق ب «لقادرون» (١٥) أو بمحذوف على خلاف سبق في أن هذه اللام تمنع ما بعدها أن يعمل فيما قبلها. والمعنى : أنهم كانوا ينكرون الوعد بالعذاب ، فقيل لهم : إن الله قادر على إنجاز ما وعد في الدنيا. وقيل : المراد عذاب الآخرة (١٦).
__________________
(١) في ب : قال تعالى.
(٢) ما بين القوسين سقط من ب.
(٣) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ١١٨.
(٤) معنى : سقط من ب.
(٥) انظر تفسير ابن عطية ١٠ / ٣٩٥ ، البحر المحيط ٦ / ٤١٩.
(٦) المختصر (٩٨) ، البحر المحيط ٦ / ٤١٩.
(٧) من قوله تعالى : «فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَداً فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمنِ صَوْماً فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا»[مريم : ٦].
(٨) من قوله تعالى : «لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ» [التكاثر : ٦].
(٩) ابن الرومي عن أبي عمرو ، المختصر (٨٤ ، ١٧٩) ، المحتسب ٢ / ٤٢.
(١٠) انظر البحر المحيط ٦ / ٤٢٠.
(١١) انظر معاني القرآن للفراء ٢ / ٢٤١ ، معاني القرآن وإعرابه للزجاج ٤ / ٢٠ ـ ٢١ ، البيان ٢ / ٨٨ ، التبيان ٢ / ٩٦٠.
(١٢) في ب : الشروط. وهو تحريف.
(١٣) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ١١٩.
(١٤) انظر الكشاف ٣ / ٥٥ ، الفخر الرازي ٢٣ / ١١٨.
(١٥) انظر التبيان ٢ / ٩٦٠.
(١٦) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ١١٩.