الناس حين نزلوا ، وماج الناس (١) في ذكري ، فبينا الناس كذلك إذ هجمت عليهم ، فتكلم القوم وخاضوا في حديثي. قالت : فهلك من هلك ، وكان الذي تولى كبر الإفك عبد الله بن أبيّ ابن سلول (٢). قال عروة : لم يسلم من الإفك إلا حسان بن ثابت ، ومسطح بن أثاثة (٣) ، وحمنة بنت جحش (٤). في أناس آخرين لا علم بهم غير أنهم عصبة كما قال عزوجل. قال عروة : وكانت عائشة تكره أن يسب عندها حسان وتقول : إنه هو الذي قال :
٣٨١٨ ـ فإنّ أبي ووالده وعرضي |
|
لعرض محمّد منكم وقاء (٥) |
قالت عائشة : وقدم رسول الله (صلىاللهعليهوسلم) (٦) المدينة ، ولم أر فيه ـ عليهالسلام (٧) ـ ما عهدته من اللطف الذي كنت أعرف منه ، والناس يفيضون في قول أصحاب الإفك ولا أشعر بشيء من ذلك ، فاشتكيت حين قدمت شهرا ، وهو يريبني (٨) في وجعي أنّي لا أرى من رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ اللطف (٩) الذي كنت أرى منه حين أشتكي إنما يدخل عليّ رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ فيسلم ثم يقول: «كيف تيكم» (١٠)؟ ثم ينصرف ، فذلك يريبني ، ولا أشعر بالشر ، حتى خرجت حين نقهت (١١) ، فخرجت مع أم مسطح (١٢) قبل المناصع (١٣) وكان
__________________
(١) ماج الناس : دخل بعضهم في بعض. اللسان (موج).
(٢) هو عبد الله بن أبيّ ابن سلول ، من أهل المدينة ، كان سيد الخزرج في آخر جاهليتهم ، وهو كبير المنافقين في الإسلام ، مات سنة ٩ ه. المنجد ٤٥١.
(٣) هو مسطح بن أثاثة بن عباد بن المطلب بن عبد مناف ، ومسطح لقب ، واسمه عوف وقيل : عامر ، شهد المشاهد كلها ، وكان أبو بكر الصديق ـ رضي الله عنه ـ يجري عليه ، وهو الذي قذف عائشة ـ رضي الله عنها ـ مات سنة ٣٧ ه. المعارف ٣٢٨.
(٤) هي حمنة بنت جحش الأسدية ، أخت زينب زوج النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ كانت تحت مصعب بن عمير ، فقتل عنها يوم أحد ، وخلف عليها طلحة بن عبيد الله. تهذيب التهذيب ١٢ / ٤١١.
(٥) البيت من بحر الوافر قاله حسان بن ثابت ، وهو من قصيدته التي يهجو فيها أبا سفيان بن الحارث قبل فتح مكة ، ومطلعها :
عفت ذات الأصابع فالجواء |
|
إلى عذراء منزلها خلاء |
وهو في ديوانه (٧٦) والاقتضاب في شرح أدب الكتاب ٣ / ٣٦ ، الخزانة ٩ / ٢٣٢ ، شرح شواهد المغني ٢ / ٨٥١.
(٦) ما بين القوسين سقط من الأصل.
(٧) في ب : عليه الصلاة والسلام.
(٨) رابني : علمت منه الريبة ، وأرابني : أوهمني الريبة وظننت ذلك به. اللسان (ريب).
(٩) اللطف : البر والرفق.
(١٠) إشارة إلى المؤنث مثل ذاكم للمذكر ، شرح الأشموني ١ / ١٤٣.
(١١) نقهت : بفتح القاف وكسرها ، والفتح أشهر ، والناقه : الذي برأ من مرضه ولا يزال به ضعف. اللسان (نقه).
(١٢) هي أم مسطح القرشية التيمية ، قيل : اسمها سلمى ، أسلمت فحسن إسلامها ، وكانت من المهاجرين الأولين ، ثبت ذكرها في الصحيحين في قصة الإفك ، وكانت من أشد الناس على مسطح حين تكلم مع أهل الإفك. الإصابة ٨ / ٣٠٢.
(١٣) المناصع : المواضع التي يتخلّى فيها لبول أو غائط أو لحاجة ، الواحد : منصع وقيل : هي مواضع ـ