أهله ، فقال أسامة : يا رسول الله ، هم أهلك ، ولا نعلم إلا خيرا. وأما عليّ فقال : لم يضيّق الله عليك ، والنساء سواها كثير ، وسل الجارية تصدقك ، فدعا رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ بريرة ، فقال : «هل رأيت من شيء يريبك»؟ قالت له بريرة : والذي بعثك بالحق نبيا ما رأيت عليها أمرا قط أغضه (١) أكثر من أنها جارية حديثة السن تنام عن عجين أهلها فتأتي الداجن (٢) فتأكله. قالت : فقام نبي الله خطيبا على المنبر فقال : يا معشر المسلمين من يعذرني (٣) من رجل قد بلغ أذاه في أهلي ـ يعني : عبد الله بن أبيّ ـ فو الله ما علمت على أهلي إلا خيرا ، ولقد ذكروا رجلا ما علمت عليه إلا خيرا ، وما كان يدخل على أهلي إلا معي فقام سعد بن معاذ (٤) أخو بني الأشهل فقال : أنا يا رسول الله أعذرك فإن كان من الأوس ضربت عنقه ، وإن كان من إخواننا الخزرج فما أمرتنا فعلناه فقام سعد بن عبادة وهو سيد الخزرج ، وكان رجلا صالحا ، ولكن أخذته الحمية ، وكانت أم حسان بنت عمه من فخذه ، فقال لسعد بن معاذ : كذبت ، لعمر الله لا تقدر على قتله. فقام أسيد بن حضير (٥) ، وهو ابن عم سعد بن معاذ فقال لسعد بن عبادة : كذبت ، لعمر الله لنقتله ، وإنك لمنافق تجادل عن المنافقين ، فثار الحيان الأوس والخزرج حتى هموا أن يقتتلوا ، ورسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ على المنبر ، فلم يزل يخفضهم حتى سكتوا. قالت : فبكيت يومي ذلك كله وليلتي لا يرقأ لي دمع ولا أكتحل بنوم ، فأصبح أبواي عندي ، وقد بكيت ليلتين ويوما (٦) حتى أني لأظنّ أن البكاء فالق (٧) كبدي ، فبينما أبواي جالسان عندي وأنا أبكي ، فاستأذنت عليّ امرأة من الأنصار ، فأذنت لها ، فجلست تبكي معي ، فبينما نحن على ذلك إذ دخل رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ علينا فسلم ثم جلس ، قالت : ولم يجلس عندي منذ قيل فيّ ما قيل ، وقد لبث شهرا لا يوحى إليه في شأني بشيء ، فتشهد رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ حين جلس ثم قال : أمّا بعد يا عائشة ، فإنه بلغني عنك كذا وكذا ، فإن كنت بريئة فسيبرئك الله ، وإن
__________________
(١) أي : أعيبها به. اللسان (غمص).
(٢) الداجن : الشاة التي تألف البيت ولا تخرج إلى المرعى ، وقيل هي كل ما يألف البيوت مطلقا شاة أو طيرا ، والجمع : دواجن. اللسان (دجن).
(٣) أي : من يقوم بعذري أن كافأته على سوء صنيعه فلا يلومني؟ وقيل معناه : من ينصرني؟ والعذير : الناصر ، وقيل المراد من ينتقم لي منه؟ اللسان (عذر) شرح النووي ١٧ / ١٠٩.
(٤) هو سعد بن معاذ الأنصاري الأوسي ، من أعاظم الصحابة ، قاتل في بدر وأحد ، رمي بسهم يوم الخندق فمات من أثر جرحه ، وعمره ٣٧ سنة ، وذلك في السنة الخامسة من الهجرة على الراجح بكاه الرسول ـ صلىاللهعليهوسلم ـ وتولى الصلاة عليه. المنجد ٣٥٥ ، الأعلام ٣ / ٨٨.
(٥) هو أسيد بن حضير بن سماك بن عتيك الأوسي ، أبو يحيى ، صحابي ، كان شريفا في الجاهلية والإسلام ، وكان من السابقين إلى الإسلام ، وكان إسلامه على يد مصعب بن عمير بالمدينة مات سنة ٢٠ ه. الإصابة ١ / ٨٣ ـ ٨٤ ، الأعلام ١ / ٣٣٠.
(٦) في ب : ويومين.
(٧) الفلق : الشق ، والفلق مصدر فلقه يفلقه فلقا شقه. اللسان (فلق).