كنت ألممت بذنب (١) فاستغفري الله وتوبي إليه ، فإن العبد إذا اعترف ثم تاب تاب الله عليه قالت : فلمّا قضى رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ مقالته قلص دمعي (٢) حتى ما أحسّ منه قطرة ، (فقلت) (٣) لأبي : أجب عني رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ فيما قال. فقال : والله ما أدري ما أقول لرسول الله. فقلت لأمي : أجيبي رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ فقالت أمي : والله ما أدري ما أقول لرسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ فقلت وأنا جارية حديثة السّن لا أقرأ من القرآن كثيرا : إني والله لقد علمت أنكم قد سمعتم هذا الحديث حتى استقر في أنفسكم وصدقتم به ، فلئن قلت لكم : إني بريئة لا تصدقوني ، ولئن اعترفت لكم بأمر والله يعلم أني منه بريئة لتصدقونني ، فو الله لا أجد لي ولكم مثلا إلا أبا يوسف حين قال : «فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون» (٤) ثم تحولت واضطجعت على فراشي والله يعلم وأنا أعلم أني حينئذ بريئة ، وأن الله مبرئي ببراءتي ، ولكن والله ما كنت أظن أن الله منزل في شأني وحيا يتلى ، ولشأني في نفسي كان أحقر من أن يتكلم الله فيّ بأمر ، ولكني كنت أرجو أن يرى (٥) رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ رؤيا يبرئني الله بها ، فو الله ما قام رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ من مجلسه ولا خرج من أهل البيت أحد حتى أنزل الله على نبيه فأخذه ما كان يأخذه من البرحاء (٦) عند الوحي حتى إنه ليتحدر (٧) فيه العرق مثل الجمان (٨) في اليوم الشات من ثقل القول الذي أنزل عليه. قالت : فسري (٩) عن رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ وهو يضحك ، وكان أول كلمة تكلم بها أن قال : «يا عائشة ، أما الله قد برأك» قالت : فقالت لي أمي : قومي إليه. فقلت : فو الله لا أقوم إليه ، فإني لا أحمد إلا الله. قالت : وأنزل الله (إِنَّ الَّذِينَ جاؤُ بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ ..) العشر آيات. فقال أبو بكر : والله لا أنفق على مسطح بعدها ، وكان ينفق عليه لقرابته منه وفقره ، فأنزل الله : (وَلا يَأْتَلِ أُولُوا الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ ...)(١٠) إلى قوله : (غَفُورٌ رَحِيمٌ). فلما سمع أبو بكر قوله تعالى : (أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَكُمْ)(١٠) قال أبو بكر : والله إني لأحب أن يغفر الله لي. فرجع إلى النفقة على مسطح وقال : والله لا أنزعها منه أبدا. قال : فلما نزل عذري قام رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ فذكر
__________________
(١) أي : إن كنت فعلت ذنبا وليس ذلك لك بعادة ، وقيل معناه : قاربت. شرح النووي ١٧ / ١١١ ، اللسان (لمم).
(٢) أي : ارتفع وذهب لاستعظام ما يعيبني من الكلام. شرح النووي ١٧ / ١١١ ، اللسان (قلص).
(٣) ما بين القوسين مكرر في الأصل.
(٤) [يوسف : ١٨].
(٥) في الأصل : يرى الله.
(٦) البرحاء : الشدة والمشقة ، وقيل : شدة الحمى ، وقيل شدة الكرب من ثقل الوحي. اللسان (برح).
(٧) أي : ليتصبب.
(٨) الجمان : اللؤلؤ ، وحب يصاغ من الفضة على شكل اللؤلؤ ، شبهت حبات عرقه ـ صلىاللهعليهوسلم ـ باللؤلؤ في الصفاء والحسن. اللسان (جمن) شرح النووي ١٧ / ١١٢.
(٩) أي : كشف وأزيل.
(١٠) من الآية (٢٢) من السورة نفسها.