فإن كانت كثيرة فقد تنعقد سحابا ماطرا ، وقد لا تنعقد. أما الأول فلأسباب خمسة :
أحدها : إذا منع (١) هبوب الرياح عن تصاعد تلك الأبخرة.
وثانيها : أن تكون الرياح (ضاغطة (٢)) (٣) إياها إلى الاجتماع بسبب وقوف جبال قدام (٤) الريح.
وثالثها : أن تكون هناك رياح (٥) متقابلة متصادمة فتعود الأبخرة حينئذ.
ورابعها : أن يعرض للبخار المتقدم وقوف (٦) لثقله وبطء حركته يلتص (٧) به سائر الأجزاء الكثيرة المدد.
وخامسها : لشدة برد الهواء القريب من الأرض ، وقد نشاهد البخار يصعد في بعض الجبال صعودا يسيرا حتى كأنه مكبة (٨) موضوعة على وهدة (٩) ، ويكون الناظر إليها فوق تلك الغمامة ، والذين يكونون تحت الغمامة يمطرون ، والذين يكونون فوقها يكونون في الشمس.
فإن (١٠) كانت الأبخرة القليلة الارتفاع قليلة لطيفة ، فإذا مر بها برد الليل وكثفها ، فإنها تصير ماء محبوسا ينزل أولا متفرقا لا يحس به إلا عند اجتماع شيء يعتد به ، فإن لم يجمد كان طلّا ، وإن جمد كان صقيعا ، ونسبة الصقيع إلى الطل (١١) نسبة الثلج إلى المطر.
والجواب (أنّا دللنا على) (١٢) حدوث الأجسام وتوسلنا بذلك إلى كونه قادرا مختارا يمكنه إيجاد الأجسام ، ، فلا نقطع بما ذكرتموه (لاحتمال أنه سبحانه خلق أجزاء السحاب دفعة لا بالطريق الذي ذكرتموه) (١٣) وأيضا فهب أن الأمر كما ذكرتم ، ولكن الأجسام بالاتفاق ممكنة في ذواتها فلا بد لها من مؤثر ، ثم إنها متماثلة ، فاختصاص كل واحد منها بصفته (١٤) المعينة من الصعود والهبوط واللطافة (١٥) والكثافة والحرارة والبرودة لا بد له من مخصص ، فإذا كان هو سبحانه خالقا لتلك الطبائع ، فتلك الطبائع في هذه الأحوال لا بد لها من سبب ، وخالق السبب خالق المسبب ، فكان سبحانه هو الذي يزجي سحابا ، لأنه هو الذي خلق تلك الطبائع المحركة لتلك (١٦) الأبخرة من باطن الأرض إلى جو (١٧) الهواء ، ثم تلك الأبخرة
__________________
(١) في ب : امنتع.
(٢) ما بين القوسين بياض في الأصل.
(٣) ما بين القوسين في ب : عن تصاعد تلك الأبخرة وثانيها.
(٤) في ب : حال أقدام. وهو تحريف.
(٥) في ب : أن تكون الرياح.
(٦) في ب : وفوق. وهو تحريف.
(٧) في ب : ويلتصق.
(٨) في النسختين : يليه. والتصويب من الفخر الرازي. المكبّ : ما يلف عليه الغزل ، وجمعه مكبات ، ومكاب. المنجد (كبب).
(٩) الوهد والوهدة : المطمئن من الأرض ، والمكان المنخفض كأنه حفرة. اللسان (وهد).
(١٠) في ب : وإن.
(١١) في ب : الظل. وهو تصحيف.
(١٢) ما بين القوسين سقط من ب.
(١٣) ما بين القوسين تكملة من الفخر الرازي.
(١٤) في ب : لصفته.
(١٥) واللطافة : سقط من ب.
(١٦) في ب : لفلك.
(١٧) في ب : جوا. وهو تحريف.