الأول : أن يكون الخبر محذوفا تقديره : يفترقون (١) يوم القيامة ونحوه ، والمذكور تفسير (٢) له كذا ذكره أبو البقاء (٣).
والثاني : أن «إن» الثانية تكرير (٤) للأولى على سبيل التوكيد (٥) ، وهذا ماش على القاعدة وهو أن الحرف إذا كرر توكيدا أعيد معه ما اتصل به أو ضمير ما اتصل به (٦) ، وهذا قد أعيد معه ما اتصل به أولا ، وهي الجلالة المعظمة فلم يتعين أن يكون قوله (إِنَّ اللهَ يَفْصِلُ) خبرا ل «إنّ» الأولى(٧) كما ذكر (٨). واختلف العلماء في المجوس ، فقيل : قوم يعبدون النار ، وقيل : الشمس والقمر وقيل : اعتزلوا النصارى ولبسوا المسوح (٩) ، وقيل : أخذوا من دين النصارى شيئا ومن دين اليهود (١٠) شيئا ، وهم القائلون بأن للعالم أصلان ، نور وظلمة ، وقيل هم قوم يستعملون النجاسات ، والأصل : نجوس ـ بالنون ـ فأبدلت ميما (١١).
ومعنى (يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ) أي : يحكم بينهم ، (إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) أي : عالم (١٢) بما يستحقه كل منهم ، فلا يجري في ذلك الفصل ظلم ولا حيف (١٣).
قوله تعالى : (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يَسْجُدُ لَهُ) الآية. قيل المراد بهذه الرؤية العلم ، أي : ألم تعلم (١٤) ، وقيل : ألم تر بقلبك (١٥). والمراد بالسجود : قال الزجاج (١٦) : أنها مطيعة لله تعالى كقوله تعالى للسماء والأرض (ائْتِيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ)(١٧) ، (أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ)(١٨)(وَإِنَّ مِنْها لَما يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللهِ)(١٩) ، (وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ
__________________
(١) في ب : يعترفون. وهو تحريف.
(٢) في ب : يفسر. وهو تحريف.
(٣) التبيان ٢ / ٩٣٦. وانظر أيضا البيان ٢ / ١٧١.
(٤) في ب : تكرار.
(٥) انظر التبيان ٢ / ٩٣٦.
(٦) إذا كان المؤكد حرفا غير جواب عاملا أو غيره لم يعد اختبارا إلا مع ما دخل عليه إن كان مضمرا نحو قوله تعالى : «أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذا مِتُّمْ وَكُنْتُمْ تُراباً وَعِظاماً أَنَّكُمْ مُخْرَجُونَ»[المؤمنون : ٣٥]. وإن كان ظاهرا يعاد هو أو ضميره نحو إن زيدا إن زيدا فاضل أو إن زيدا إنه فاضل ، ولا بد من الفصل بين الحرفين كما سبق ، وشذ اتصالهما كقوله :
إنّ إنّ الكريم يحلم ما لم |
|
يرين من أجاره قد ضيما |
الهمع ٢ / ١٢٥ ، شرح الأشموني ٣ / ٨٢ ـ ٨٣.
(٧) في ب : الأول.
(٨) أي : كما ذكر أبو حيان.
(٩) في ب : المنسوخ. وهو تحريف. والمسوح : جمع المسح ، وهو الكساء من الشعر. اللسان (مسح).
(١٠) في ب : من اليهود.
(١١) الدر المصون : ٥ / ٦٧.
(١٢) عالم : سقط من ب.
(١٣) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ٢٠.
(١٤) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ٢٠.
(١٥) انظر القرطبي ١٢ / ٢٤.
(١٦) معاني القرآن وإعرابه ٣ / ٤١٨ ـ ٤١٩. بتصرف ، والنص بلفظه من الفخر الرازي.
(١٧) [فصلت : ١١].
(١٨) من قوله تعالى : «إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ» [يس : ٨٢].
(١٩) من قوله تعالى : «وَإِنَّ مِنَ الْحِجارَةِ لَما يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهارُ وَإِنَّ مِنْها لَما يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْماءُ وَإِنَّ مِنْها لَما يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللهِ»[البقرة : ٧٤].