بمعنى كونها معترفة بالفاقة إليه والحاجة إلى تخليقه وتكوينه ، وعلى هذا تأولوا قوله : (وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ) (١) (٢).
وقال مجاهد : إنّ سجود هذه الأشياء سجود ظلها لقوله تعالى : (يَتَفَيَّأُ ظِلَالُهُ عَنِ الْيَمِينِ وَالشَّمَائِلِ سُجَّدًا لِّلَّهِ) (٤). وقال أبو العالية : ما في السماء نجم ولا شمس ولا قمر إلا يقع ساجدا حين يغيب ، ثم لا ينصرف حتى يؤذن له ، فيأخذ ذات اليمين حين يرجع إلى مطلعه (٥).
قوله : (وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ). فيه (٦) أوجه :
أحدها (٧) : أنه مرفوع بفعل مضمر تقديره : ويسجد له كثير من الناس (٨) ، وهذا عند من يمنع استعمال المشترك في معنييه ، و (٩) الجمع بين الحقيقة والمجاز في كلمة واحدة ، وذلك أن السجود المسند لغير العقلاء غير السجود المسند للعقلاء فلا يعطف (كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ) على ما قبله لاختلاف الفعل المسند إليهما (١٠) في المعنى ، ألا ترى أن سجود غير العقلاء هو الطواعية والإذعان لأمره ، وسجود العقلاء هو هذه الكيفية المخصوصة.
الثاني : أنه معطوف على (ما تقدمه (١١)) (١٢) وفي ذلك ثلاث تأويلات (١٣) :
أحدها : أن المراد بالسجود القدر المشترك بين الكل (١٤) العقلاء وغيرهم ، وهو الخضوع والطواعية ، وهو من باب الاشتراك المعنوي.
والتأويل الثاني : أنه مشترك اشتراكا لفظيا ، ويجوز استعمال المشترك في معنييه.
والتأويل الثالث : أن السجود المسند للعقلاء حقيقة ولغيرهم مجاز ، ويجوز الجمع بين الحقيقة والمجاز على خلاف في هذه الأشياء مذكور في كتب الأصول.
الثالث من الأوجه المتقدمة : أن يكون «كثير» مرفوعا (١٥) بالابتداء ، وخبره محذوف وهو مثاب لدلالة خبر مقابله عليه وهو قوله : (وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذابُ) كذا قدره الزمخشري (١٦) ، وقدره أبو البقاء مطيعون أو (١٧) مثابون أو نحو ذلك (١٨).
__________________
(١) [الإسراء : ٤٤].
(٢) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ٢١.
(٣) [النحل : ٤٨].
(٤) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ٢١.
(٥) انظر البغوي ٥ / ٥٦٢ ، القرطبي ١٢ / ٢٤.
(٦) في ب : وفيه.
(٧) في ب : أحدهما. وهو تحريف.
(٨) انظر الكشاف ٣ / ٢٨ ، البحر المحيط ٦ / ٣٥٩.
(٩) في ب : أو.
(١٠) في ب : إليها.
(١١) انظر مشكل إعراب القرآن ٢ / ٩٤ ، البحر المحيط ٦ / ٣٥٩.
(١٢) في ب : على مقدمه.
(١٣) في ب : أوجه تأويلات.
(١٤) في ب : كل.
(١٥) في ب : كثيرا مرفوعا. وهو تحريف.
(١٦) الكشاف ٣ / ٢٨.
(١٧) أو : سقط من ب.
(١٨) التبيان ٢ / ٩٣٧. وانظر هذا الوجه أيضا في البيان ٢ / ١٧١ ، والبحر المحيط ٦ / ٣٥٩.