وأبي جعفر (١) والفراء. قال النحاس : ما علمت أحدا من أهل العربية بصريا ولا كوفيا إلا وهو يلحّن قراءة حمزة ، فمنهم من يقول : هي لحن ، لأنه لم يأت إلا مفعول واحد (٢) ل «يحسبن» (٣). وقال الفراء : هو ضعيف ، وأجازه على حذف المفعول الثاني والتقدير (٤) : «لا يحسبن الذين كفروا أنفسهم معجزين» (٥) قال شهاب الدين : وسبب تلحينهم هذه القراءة : أنهم اعتقدوا أنّ «الّذين» فاعل ، ولم يكن في اللفظ إلا مفعول واحد ، وهو «معجزين» فلذلك قالوا ما قالوا (٦).
والجواب عن ذلك من وجوه :
أحدها : أنّ الفاعل (٧) مضمر يعود على ما تقدم ، أو على ما يفهم من السياق ، كما سبق تحريره.
الثاني : أنّ المفعول الأول (٨) محذوف تقديره : ولا يحسبن الّذين كفروا أنفسهم معجزين ، إلّا أن حذف أحد المفعولين ضعيف عند البصريين (٩) ، ومنه قول عنترة :
٣٨٥٥ ـ ولقد نزلت فلا تظنّي غيره |
|
منّي بمنزلة المحبّ المكرم (١٠) |
أي : تظني غيره واقعا. ولما نحا الزمخشريّ إلى هذا الوجه قال : وأن يكون الأصل : لا يحسبنهم الذين كفروا معجزين. ثم حذف الضمير الذي هو المفعول الأول ، وكان الذي سوّغ ذلك أن الفاعل والمفعولين لما كانت لشيء واحد اقتنع بذكر اثنين عن ذكر الثالث (١١). فقدّر المفعول الأول ضميرا متصلا. قال أبو حيان : وقد رددنا هذا التخريج في أواخر «آل عمران» في قوله : (لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِما أَتَوْا)(١٢) في قراءة من قرأ بالغيبة (١٣) ، وجعل (١٤) الفاعل : (الَّذِينَ يَفْرَحُونَ) ، وملخصه : أنّ هذا ليس من الضمائر التي يفسّرها ما بعدها ، فلا يتقدّر (١٥) «لا يحسبنهم» إذ لا يجوز ظنّه زيد
__________________
(١) هو النحاس.
(٢) في ب : واحدا. وهو تحريف.
(٣) إعراب القرآن ٣ / ١٤٦.
(٤) في الأصل : لتقدير ، وفي ب : بتقدير.
(٥) قال الفراء : (وقوله : «لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا» قرأها حمزة «لا يحسبنّ» ، بالياء ههنا وموضع «الّذين» رفع ، وهو قليل أن تعطل «أظن» من الوقوع على أن ، أو على اثنين سوى مرفوعها ، وكأنه جعل «معجزين» اسما وجعل «فِي الْأَرْضِ» خبرا لهم ، كما تقول : لا تحسبن الذين كفروا رجالا في بيتك وهم يريدون أنفسهم ، وهو ضعيف في العربية) معاني القرآن ٢ / ٢٥٩.
(٦) الدر المصون ٥ / ١١٨.
(٧) في ب : العامل. وهو تحريف.
(٨) الأول : سقط من الأصل.
(٩) انظر شرح التصريح ١ / ٢٥٨ ـ ٢٦٠ ، الهمع ١ / ١٥٢ ، شرح الأشموني ٢ / ٣٤ ـ ٣٥.
(١٠) البيت من بحر الكامل ، قاله عنترة. وقد تقدم.
(١١) الكشاف ٣ / ٨٢.
(١٢) من الآية (١٨٨).
(١٣) وهي قراءة ابن كثير وأبي عمرو ونافع وابن عامر. السبعة (٢١٩ ـ ٢٢٠) الكشف ١ / ٣٦٧.
(١٤) في ب : وفعل. وهو تحريف.
(١٥) في ب : يتعذر. وهو تحريف.