أنه كان يحلف بالله أن هذه الآية نزلت في ستة نفر من قريش تبارزوا يوم بدر : حمزة وعلي وعبيدة بن الحارث ، وعتبة وشيبة ابني ربيعة والوليد بن المغيرة. وقال علي ـ رضي الله عنه ـ أنا أول من يجثو (١) للخصومة بين يدي الله (٢). وقال عكرمة : هما الجنة والنار.
قالت النار : خلقني الله لعقوبته ، وقالت الجنة : خلقني الله لرحمته ، فقص الله على محمد خبرهما. والأقرب هو الأول ؛ لأن السبب وإن كان خاصا فالواجب حمل الكلام على ظاهره.
وقوله : «هذان» (٣) كالإشارة إلى ما تقدم ذكره ، وهم الأديان الستة المذكورون في قوله : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصارى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ)(٤).
وأيضا ذكر صنفين أهل طاعته وأهل معصيته ممن حق عليه العذاب ، فوجب رجوع ذلك إليهما ، فمن خص به مشركي العرب واليهود من حيث قالوا في نبيهم وكتابهم (٥) ما حكينا فقد أخطأ ، وهذا هو الذي يدل على أن قوله : (إِنَّ اللهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ)(٦) أراد به الحكم ، لأن ذلك التخاصم يقتضي أن الواقع بعده حكما (٧). فبين تعالى حكمه في الكفار ، وذكر من أحوالهم ثلاثة أمور :
أحدها : قوله : (فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيابٌ مِنْ نارٍ) ، وهذه الجملة تفصيل (٨) وبيان لفصل الخصومة المعني (٩) بقوله تعالى : (إِنَّ اللهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ)(١٠) قاله الزمخشري (١١).
وعلى هذا فيكون (هذانِ خَصْمانِ) معترضا ، والجملة من (اخْتَصَمُوا) حالية وليست مؤكدة لأنها أخص من مطلق الخصومة المفهومة من (خَصْمانِ) وقرأ الزعفراني في اختياره «قطعت» مخفف الطاء (١٢) ، والقراءة المشهورة تفيد التكثير وهذه تحتمله. والمراد بالثياب إحاطة النار بهم كقوله (لَهُم مِّن جَهَنَّمَ مِهَادٌ وَمِن فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ) (١٤) ، وقال سعيد بن جبير : ثياب من نحاس مذاب (١٥). وقال بعضهم : يلبس أهل النار مقطعات من النار.
__________________
ـ النهدي وغيرهم. مات سنة ٣٢ ه. خلاصة تذهيب تهذيب الكمال ٣ / ٣١٥.
(١) جثا يجثو ويجثي جثوا وجثيا ، على فعول فيهما : جلس على ركبتيه للخصومة ونحوها ، اللسان (جثا).
(٢) أخرجه البخاري (تفسير) ٣ / ١٦١ ، وانظر الدر المنثور ٤ / ٣٤٨.
(٣) من هنا نقله ابن عادل عن الفخر الرازي ٢٣ / ٢٣.
(٤) [الحج : ١٧].
(٥) في ب : وكتابنا. وهو تحريف.
(٦) [الحجّ : ١٧].
(٧) آخر ما نقله هنا عن الفخر الرازي ٢٣ / ٢٣.
(٨) في ب : تفصل. وهو تحريف.
(٩) في ب : لمعنى. وهو تحريف.
(١٠) [الحجّ : ١٧].
(١١) الكشاف ٣ / ٢٩.
(١٢) البحر المحيط ٦ / ٣٦٠.
(١٣) [الأعراف : ٤١].
(١٤) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ٢٣.
(١٥) انظر البحر المحيط ٦ / ٣٦٠.