قوله : (يُصَبُّ) هذه الجملة تحتمل أن تكون خبرا ثانيا للموصول ، وأن تكون حالا من الضمير في «لهم» ، وأن تكون مستأنفة (١). والحميم الماء الحار الذي انتهت حرارته ، قال ابن عباس : لو قطرت منه قطرة على جبال الدنيا لأذابتها (٢).
قوله : (يُصْهَرُ)(٣) جملة حالية من الحميم (٤) ، والصهر (٥) الإذابة ، يقال : صهرت الشحم ، أي : أذبته ، والصهارة الألية المذابة (٦) ، وصهرته الشمس : أذابته بحرارتها ، قال :
٣٧٥٣ ـ تصهره الشّمس ولا ينصهر (٧)
وسمي الصّهر صهرا لامتزاجه بأصهاره تخيلا لشدة المخالطة. وقرأ الحسن في آخرين «يصهر» بفتح الصاد وتشديد الهاء (٨) مبالغة وتكثيرا لذلك ، والمعنى : أن الحميم الذي يصب من فوق رؤوسهم يذيب ما في بطونهم من الشحوم والأحشاء (٩).
قوله : (وَالْجُلُودُ) فيه وجهان :
أظهرهما : عطفه على «ما» الموصولة ، أي : يذيب الذي في بطونهم من الأمعاء ، ويذاب أيضا الجلود ، أي يذاب ظاهرهم وباطنهم (١٠).
والثاني : أنه مرفوع بفعل مقدر أي : يحرق الجلود (١١).
قالوا : لأن الجلد لا يذاب إنما ينقبض وينكمش إذا صلي (١٢) بالنار ، وهو في التقدير كقوله :
٣٧٥٤ ـ علفتها تبنا (وماء باردا) (١٣) (١٤)
__________________
(١) هذه الأوجه الثلاثة ذكرها أبو البقاء. التبيان ٢ / ٩٣٧.
(٢) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ٢٣ ، البحر المحيط ٦ / ٣٦٠.
(٣) في ب : يصهر به.
(٤) انظر التبيان ٢ / ٩٣٧.
(٥) في ب : والضمير. وهو تحريف.
(٦) اللسان (صهر) البحر المحيط ٦ / ٣٤٦.
(٧) عجز بيت من بحر السريع قاله ابن أحمر يصف فرخ قطاة ، وصدره :
تروي لقى ألقي في صفصف
وهو في مجاز القرآن ٢ / ٤٨ ، المنصف ٣ / ٩٢ ، تفسير ابن عطية ١١ / ٢٤٩ ، القرطبي ١٢ / ٢٧ اللسان (صهر ـ لقى) ، البحر المحيط ٦ / ٣٤٧.
(٨) المختصر (٩٤) ، البحر المحيط ٦ / ٣٦٠ ، الإتحاف (٣١٤).
(٩) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ٢٣.
(١٠) انظر مشكل إعراب القرآن ٢ / ٩٤ ، البيان ٢ / ١٧١ ، البحر المحيط ٦ / ٣٦٠.
(١١) انظر البحر المحيط ٦ / ٣٦٠.
(١٢) في ب : صل.
(١٣) صدر بيت من الرجز قاله ذو الرمة وعجزه :
حتّى شتت همّالة عيناها
وقد تقدم.
(١٤) ما بين القوسين في ب : وما ردا.