غيرهما هو الحق ، وهو أنّك أضللتهم ، فلما لم يقولوا ذلك بل نسبوا ضلالهم (١) إلى أنفسهم ، علمنا أنه تعالى لا يضل أحدا من عباده ، فإن قيل : لا نسلم أن المعبودين ما تعرضوا لهذا القسم بل ذكروه ، وقالوا(٢) : (وَلكِنْ مَتَّعْتَهُمْ وَآباءَهُمْ حَتَّى نَسُوا الذِّكْرَ) ، وهذا تصريح بأن ضلالهم إنما حصل لأجل ما فعل الله بهم ، وهو أنه تعالى متّعهم وآباءهم بنعيم الدنيا. قلنا : لو كان الأمر كذلك لكان يلزم أن يصير الله محجوجا في يد (٣) أولئك المعبودين ، ومعلوم أنه ليس الغرض ذلك بل الغرض أن يصير الكافر محجوجا مفحما ملوما (٤).
وأجاب أهل السنة بأن القدرة على الضلال إن لم تصلح للاهتداء فالإضلال من (٥) الله ، وإن صلحت له لم يترجح اقتدارها للضلال على اقتدارها على الاهتداء إلا لمرجح من الله تعالى ، وعند ذلك يزول السؤال.
وأما ظاهر الآية وإن كان لهم لكنه معارض بسائر الظواهر المطابقة لقولنا (٦).
قوله : «هؤلاء» يجوز أن يكون نعتا ل «عبادي» أو بدلا (٧) أو بيانا.
قوله : (ضَلُّوا السَّبِيلَ) على حذف حرف الجر وهو «عن» كما صرح به في قوله (يَضِلُّ عَنْ سَبِيلِهِ) [الأنعام : ١١٧] ثم اتّسع فيه (٨) فحذف نحو هدى ، فإنّه يتعدّى ب (إلى) وقد يحذف اتساعا (٩). و «ضلّ» مطاوع (أضلّ) (١٠). فإن قيل : إنّه تعالى كان عالما في الأزل بحال المسؤول عنه فما فائدة هذا السؤال؟
فالجواب : هذا سؤال تقريع للمشركين كما قيل لعيسى (أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلهَيْنِ مِنْ دُونِ اللهِ)(١١) [المائدة : ١١٦]. فإن قيل : فما فائدة «أنتم» ، وهلّا قيل : أأضللتم (١٢) عبادي هؤلاء أم ضلوا السبيل؟
فالجواب : هذا سؤال عن الفاعل فلا بدّ من ذكره حتى يعلم أنه المسؤول عنه (١٣).
وقوله : (أَأَنْتُمْ (١٤) أَضْلَلْتُمْ ... أَمْ هُمْ ضَلُّوا)(١٥) (إنما قدم الاسم على الفعل) (١٦)
__________________
(١) في ب : إضلالهم.
(٢) في ب : ولكن قالوا.
(٣) في ب : بدا.
(٤) في ب : معلوما.
(٥) في النسختين : فمن.
(٦) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ٦١ ـ ٦٢.
(٧) انظر التبيان ٢ / ٩٨٢.
(٨) فيه : سقط من ب.
(٩) قال الزمخشري : (وكان القياس : ضل عن السبيل إلا أنهم تركوا الجار كما تركوه في (هداه الطريق) والأصل : إلى الطريق وللطريق) الكشاف ٣ / ٩١.
(١٠) انظر الكشاف ٣ / ٩١.
(١١) [المائدة : ١١٦]. انظر الفخر الرازي ٢٤ / ٦٢.
(١٢) في الأصل : أضللتم ، وفي ب : ضللتم.
(١٣) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ٦٢.
(١٤) في ب : أنتم.
(١٥) في ب : ضلوا السبيل.
(١٦) ما بين القوسين سقط من ب.