قوله تعالى (١) : (فَقَدْ كَذَّبُوكُمْ) هذا خطاب مع المشركين ، أي : كذّبكم المعبودون في قولكم إنهم (٢) آلهة وإنهم أضلوكم. وقيل (٣) : خطاب للمؤمنين في الدنيا ، أي : فقد كذبوكم أيها المؤمنون الكفار بما تقولون من التوحيد في الدّنيا ، وهو معنى قوله (بِما تَقُولُونَ)(٤). وهذه (٥) الجملة من كلام الله تعالى اتفاقا ، فهي على إضمار القول والالتفات. قال الزمخشري : هذه المفاجأة بالاحتجاج (٦) والإلزام (٧) حسنة رائعة ، وخاصة إذا انضمّ إليها الالتفات وحذف القول ، ونحوها قوله (٨) : (يا أَهْلَ الْكِتابِ قَدْ جاءَكُمْ رَسُولُنا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلى فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ أَنْ تَقُولُوا ما جاءَنا مِنْ بَشِيرٍ وَلا نَذِيرٍ فَقَدْ جاءَكُمْ بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ)(٩) [المائدة : ١٩] ، وقول القائل :
٣٨٦٨ ـ قالوا خراسان أقصى ما يراد بنا |
|
ثمّ القفول فقد جئنا خراسانا (١٠) |
انتهى (١١).
يريد أنّ الأصل في الآية الكريمة فقلنا فقد (١٢) كذبوكم ، وفي البيت : فقلنا قد جئنا. وقرأ أبو حيوة وقنبل في رواية ابن أبي الصلت (١٣) عنه بالياء من تحت (١٤) ، أي : «فقد كذّبكم (١٥) الآلهة بما يقولون (سُبْحانَكَ ما كانَ يَنْبَغِي لَنا أَنْ نَتَّخِذَ) إلى آخره وقيل : المعنى : فقد كذبكم أيها المؤمنون الكفار بما يقولون) (١٦) من الافتراء عليكم (١٧).
قوله : «فما يستطيعون». قرأ حفص بتاء الخطاب (١٨) ، والمراد عبّادها ، والمعنى فما تستطيعون أنتم يا كفار صرف العذاب عنكم. وقيل : الصرف : التوبة ، وقيل : الحيلة (١٩).
__________________
(١) تعالى : سقط من ب.
(٢) في الأصل : إنه.
(٣) في ب : وهذا.
(٤) انظر القرطبي ١٣ / ١٢ ، البحر المحيط ٦ / ٤٨٩.
(٥) في ب : هذه.
(٦) في ب : والاحتجاج.
(٧) والإلزام : سقط من ب.
(٨) في ب : قوله عزوجل.
(٩) ما بين القوسين سقط من ب.
(١٠) البيت من بحر البسيط قاله العباس بن الأحنف ، وهو في ديوانه (٣١٢). دلائل الإعجاز (٩٠) ، البحر المحيط ٦ / ٤٨٩ ، شرح شواهد الكشاف (١٣١). القفول : الرجوع. والشاهد فيه قوله : (فقد جئنا) فهو على حذف القول. والتقدير : قفلنا قد جئنا.
(١١) الكشاف ٣ / ٩٢.
(١٢) في الأصل : قد.
(١٣) هو ابن أبي الصلت المحبر ممن سمع عليه محمد بن علي بن محمد بن موسى أبو بكر ابن الخياط.
طبقات القراء ٢ / ٢٠٩.
(١٤) السبعة (٤٦٣) ، النشر ٢ / ٣٣٤ ، الإتحاف (٣٢٨).
(١٥) في ب : كذبوكم.
(١٦) ما بين القوسين سقط من ب.
(١٧) عليكم : سقط من ب.
(١٨) السبعة (٤٦٣) ، الكشف ٢ / ١٤٥ ، النشر ٢ / ٣٣٤ ، الإتحاف (٣٢٨).
(١٩) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ٦٤ ..