الثاني : أنه من حلي بعيني كذا يحلى إذا استحسنه ، و «من» مزيدة في قوله (مِنْ أَساوِرَ) قال (١) : فيكون المعنى : يستحسنون فيها الأساور الملبوسة (٢) ولما نقل أبو حيان هذا الوجه عن أبي الفضل الرازي قال : وهذا ليس بجيد ، لأنه جعل حلي (٣) فعلا متعديا ، ولذلك حكم بزيادة (من) في الواجب وليس مذهب البصريين (٤) ، وينبغي على هذا التقدير أن لا يجوز ، لأنه لا يحفظ بهذا المعنى إلا لازما ، فإن كان بهذا المعنى كانت «من» للسبب ، أي بلباس أساور الذهب يحلّون بعين من رآهم أي يحلى بعضهم بعين بعض (٥).
وهذا الذي نقله عن أبي الفضل قاله أبو البقاء ، وجوز في مفعول الفعل وجها آخر فقال : ويجوز أن يكون من حلي بعيني كذا إذا حسن ، وتكون «من» مزيدة ، أو يكون المفعول محذوفا و (مِنْ أَساوِرَ) نعت له (٦). فقد حكم عليه بالتعدي ليس إلا ، وجوز في المفعول الوجهين المذكورين (٧).
والثالث : أنه من حلي بكذا إذا ظفر به ، فيكون التقدير : يحلّون بأساور ، و «من» بمعنى الباء (٨) ، ومن مجيء حلي بمعنى ظفر قولهم : لم يحل فلان بطائل أي : لم يظفر به (٩).
واعلم أن حلي بمعنى لبس الحلي (١٠) أو بمعنى ظفر من مادة الياء لأنها من الحلية وأما (١١) حلي بعيني كذا ، فإنه من مادة الواو ؛ لأنه من الحلاوة ، وإنما قلبت الواو ياء لانكسار ما قبلها (١٢).
قوله : (مِنْ أَساوِرَ مِنْ ذَهَبٍ). في من الأولى ثلاثة أوجه :
أحدها : أنها زائدة كما تقدم تقريره عن الرازي وأبي البقاء ، وإن لم يكن من أصول البصريين(١٣).
الثاني : أنها للتبعيض أي : بعض أساور.
الثالث : أنها لبيان الجنس قاله ابن عطية ، وبه بدأ (١٤) وفيه نظر ، إذ لم يتقدم شيء
__________________
(١) أي أبو الفضل الرازي. البحر المحيط ٦ / ٣٦٠.
(٢) في الأصل : ملبوسة.
(٣) حلي : سقط من ب.
(٤) والأخفش والكوفيون يجوزون زيادة (من) في الواجب.
(٥) البحر المحيط ٦ / ٣٦١.
(٦) التبيان ٢ / ٩٣٨.
(٧) وهما كون «من» مزيدة في المفعول ، وهذا الوجه غير جائز على مذهب البصريين ، لأن «من» لا تكون مزيدة عندهم في الواجب ، وكون المفعول محذوفا.
(٨) قاله أبو الفضل الرازي البحر المحيط ٦ / ٣٦١.
(٩) اللسان (حلا).
(١٠) في ب : الحلية.
(١١) في الأصل : وما.
(١٢) انظر المحتسب ٢ / ٧٧ ، اللسان (حلا).
(١٣) عند توجيه قراءة ابن عباس لقوله تعالى : «يُحَلَّوْنَ» بفتح الياء وسكون الحاء وفتح اللام مخففة.
(١٤) فإنه قال : (و «من» في قوله تعالى : «مِنْ أَساوِرَ» هي لبيان الجنس ويحتمل أن تكون للتبعيض) تفسير ابن عطية ١٠ / ٢٥١.