«تبارك» (١) ، قال الحسن ومجاهد وقتادة ورواية (٢) عن ابن عباس البروج هي النجوم الكبار سميت بروجا لظهورها ، لأن اشتقاق البرج من التبرج وهو الظهور.
وقال عطية العوفي : البروج هي القصور العالية ، لأنها لهذه الكواكب كالمنازل لسكانها ، وهذا أولى لقوله تعالى : (وَجَعَلَ فِيها) أي : في البروج (٣) فإن قيل : لم لا (٤) يجوز أن يكون قوله «فيها» راجعا إلى السماء دون البروج؟
فالجواب : لأن البروج أقرب ، فعود (٥) الضمير إليها أولى (٦).
وروى عطاء عن ابن عباس : هي البروج الاثنا عشر (٧).
قوله : (وَجَعَلَ فِيها سِراجاً). قرأ الجمهور (٨) بالإفراد ، والمراد به الشمس لقوله تعالى : (وَجَعَلَ (٩) الشَّمْسَ سِراجاً)(١٠) ، ويؤيده أيضا ذكر القمر بعده. والأخوان «سرجا» بضمتين جمعا(١١) نحو حمر في حمار ، وجمع باعتبار الكواكب النيرات (١٢) ، وإنما ذكر القمر تشريفا له كقوله : (وَجِبْرِيلَ وَمِيكالَ) [البقرة : ٩٨] بعد انتظامهما في الملائكة. وقرأ الأعمش والنخعي وعاصم في رواية عصمة (١٣) «وقمرا» بضمة وسكون (١٤) وهو جمع قمراء (١٥) كحمر في حمراء ، والمعنى : وذا ليال قمر منيرا ، فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه ، ثم التفت إلى المضاف بعد حذفه فوصفه تمييزا ، ولو لم يعتبره لقال : منيرة ، ونظير مراعاته بعد حذفه قول حسان :
٣٨٨١ ـ يسقون من ورد البريص عليهم |
|
بردى يصفّق بالرّحيق السّلسل (١٦) |
__________________
(١) في أول السورة.
(٢) في ب : ورواه.
(٣) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ١٠٦.
(٤) في ب : لم.
(٥) في ب : فيعود. وهو تحريف.
(٦) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ١٠٦.
(٧) انظر البغوي ٦ / ١٨٩.
(٨) غير حمزة والكسائي. انظر السبعة (٤٦٦).
(٩) في ب : وجعلنا. وهو تحريف.
(١٠) [نوح : ١٦].
(١١) السبعة (٤٦٦) ، الكشف ٢ / ١٤٦ ، النشر ٢ / ٣٣٤ ، الإتحاف (٣٣٠).
(١٢) في ب : النيران.
(١٣) عصمة : سقط من ب.
(١٤) انظر المختصر (١٠٥) ، البحر المحيط ٦ / ٥١١ ، الإتحاف (٣٣٠).
(١٥) القمراء : ضوء القمر ، وليلة مقمرة ، وليلة قمرة ومقمرة. اللسان (قمر).
(١٦) البيت من بحر الكامل ، قاله حسان بن ثابت ، وهو في ديوانه (٣٦٥) ، الكشاف ٣ / ١٠٣. ابن يعيش ٣ / ٢٥ ، ٦ / ١٣٣ ، اللسان (برص ، سلسل) ، البحر المحيط ٦ / ٥١١. الأشموني ٢ / ٢٧٢ ، الخزانة ٤ / ٣٨١ ، الدرر ٢ / ٦٤ ، البريص : اسم واد. بردى : نهر بدمشق ، وألفه للتأنيث. يصفق : يمزج. الرحيق : الخمر. السلسل من الماء : العذب أو البارد ، ومن الخمر اللينة. والشاهد فيه حذف المضاف وهو قوله : ماء. وإقامة المضاف إليه وهو قوله بردى مقامه ، ثم أعاد الكلام إلى المضاف المحذوف فقال : يصفق بالياء ، ولو لم يعتبر المضاف المحذوف لقال : تصفق بتاء التأنيث ، لأن (بردى) مؤنث.