في موضع تقديره ، فقدره ابن عطية بعد قوله : (وَالْبادِ) أي : إن الذين كفروا خسروا أو أهلكوا ، ونحو ذلك (١).
وقدره الزمخشري بعد قوله : (وَالْمَسْجِدِ الْحَرامِ) أي إن الذين كفروا نذيقهم من عذاب أليم ، وإنما قدره (٢) كذلك ؛ لأن قوله : (نُذِقْهُ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ) يدل عليه (٣). إلا أن أبا حيان في تقدير الزمخشري بعد (الْمَسْجِدِ الْحَرامِ) : لا يصح ، قال : لأن «الذي» صفة للمسجد الحرام ، فموضع التقدير هو بعد (وَالْبادِ)(٤). يعني أنه يلزم (٥) من تقديره الفصل بين الصفة والموصوف بأجنبي وهو خبر «إن» فيصير التركيب : إن الذين كفروا ويصدون عن سبيل الله والمسجد الحرام نذيقهم من عذاب أليم الذي جعلناه للناس.
وللزمخشري أن ينفصل عن هذا الاعتراض بأن (الَّذِي جَعَلْناهُ) لا نسلم أنه نعت للمسجد (٦) حتى يلزم ما ذكر بل نجعله مقطوعا عنه نصبا أو رفعا (٧). ثم قال أبو حيان : لكن مقدر الزمخشري أحسن من مقدر ابن عطية ، لأنه يدل عليه الجملة الشرطية بعد من جهة اللفظ وابن عطية لحظ من جهة المعنى لأن من أذيق العذاب خسر وهلك (٨).
الوجه الثالث : أن الواو في (وَيَصُدُّونَ) مزيدة في خبر «إن» تقديره : إن الذين كفروا (يصدون) (٩)(١٠). وزيادة الواو مذهب كوفي تقدم بطلانه (١١). وقال ابن عطية : وهذا مفسد للمعنى المقصود (١٢). قال شهاب الدين : ولا أدري فساد المعنى من أي جهة ألا ترى لو صرح بقولنا : (إن الذين كفروا يصدون) لم يكن فيه فساد معنى ، فالمانع إنما هو أمر صناعي عند أهل البصرة لا معنوي ، اللهم إلا أن يريد معنى خاصا يفسد بهذا التقدير فيحتاج إلى بيانه (١٣).
قوله : (الَّذِي جَعَلْناهُ) يجوز جره على النعت والبيان ، والنصب بإضمار فعل ،
__________________
(١) قال ابن عطية : (وإنما الخبر محذوف مقدر عند قوله : «وَالْبادِ» ، تقديره : خسروا أو هلكوا) ١٠ / ٢٥٤.
(٢) في ب : قدر.
(٣) قال الزمخشري : (وخبر «إن» محذوف لدلالة جواب الشرط عليه تقديره : إن الذين كفروا ويصدون عن المسجد الحرام نذيقهم من عذاب أليم) الكشاف ٣ / ٣٠.
(٤) البحر المحيط ٦ / ٣٦٢.
(٥) في الأصل : لم يلزم. وهو تحريف.
(٦) في ب : المسجد.
(٧) ويكون بالنصب مفعولا به لفعل محذوف ، وبالرفع خبرا لمبتدأ محذوف.
(٨) البحر المحيط ٦ / ٣٦٢.
(٩) انظر مشكل إعراب القرآن ٢ / ٩٥ ، البيان ٢ / ١٧٣ ، التبيان ٢ / ٩٣٩ ، البحر المحيط ٦ / ٣٦٢.
(١٠) ما بين القوسين في النسختين : ويصدون. والصواب ما أثبته.
(١١) انظر الإنصاف ٢ / ٤٥٦ ـ ٤٦٢ شرح المفصل ٨ / ٩٣ ـ ٩٤ ، شرح الكافية ٢ / ٣٦٨ ، والمغني ٢ / ٣٦٢.
(١٢) تفسير ابن عطية ١٠ / ٢٥٤.
(١٣) الدر المصون ٥ / ٦٧.