والرفع بإضمار مبتدأ. والجعل يجوز أن يتعدى لا ثنين بمعنى صير ، وأن يتعدى لواحد. والعامة على رفع «سواء». وقرأ حفص عن عاصم بالنصب هنا (١) ، وفي الجاثية (سَواءً (٢) مَحْياهُمْ)(٢) وافقه على الذي في الجاثية الأخوان (٣) وسيأتي توجيهه. فأما على قراءة الرفع ، فإن قلنا : إن «جعل» بمعنى (صير) كان في المفعول الثاني ثلاثة أوجه :
أظهرها (٤) : أن الجملة من قوله : (سَواءً الْعاكِفُ فِيهِ) هي المفعول الثاني (٥) ، ثم الأحسن في رفع «سواء» أن يكون خبرا مقدما ، و (الْعاكِفُ) ، والبادي مبتدأ مؤخر ، وإنما وحد الخبر وإن كان المبتدأ اثنين ، لأن «سواء» في الأصل مصدر (٦) وصف به ، وقد تقدم أول البقرة (٧). وأجاز بعضهم أن يكون «سواء» مبتدأ ، وما بعده الخبر (٨) ، وفيه ضعف أو منع من حيث الابتداء بالنكرة من غير مسوغ ، ولأنه متى اجتمع معرفة ونكرة (٩) جعلت المعرفة المبتدأ. وعلى هذا الوجه أعني كون الجملة مفعولا ثانيا فقوله : «للناس» يجوز فيه وجهان :
أحدهما : أن يتعلق بالجعل ، أي : جعلناه لأجل الناس كذا.
والثاني : أن يتعلق بمحذوف على أنه حال من مفعول «جعلناه» ، ولم يذكر أبو البقاء فيه على هذا الوجه غير ذلك (١٠) ، وليس معناه متضحا.
الوجه الثاني : أن «للناس» هو المفعول الثاني ، والجملة من قوله : (سَواءً الْعاكِفُ) في محل نصب على الحال ، إما من الموصول وإما من عائده وبهذا الوجه بدأ أبو البقاء (١١) ، وفيه نظر ؛ لأنه جعل هذه الجملة التي هي محط الفائدة فضلة.
__________________
(١) السبعة : (٤٣٥) ، الكشف ٣ / ١١٨ ، النشر ٢ / ٣٢٦ ، الإتحاف ٨٣١٤
(٢) من قوله تعالى : «أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَواءً مَحْياهُمْ وَمَماتُهُمْ ساءَ ما يَحْكُمُونَ» [الجاثية : ٢١].
(٣) حمزة والكسائي. السبعة (٥٩٥) ، الكشف ٢ / ٢٦٨ ـ ٢٦٩ ، النشر ٢ / ٣٧٢.
(٤) في ب : أظهرهما. وهو تحريف.
(٥) انظر معاني القرآن وإعرابه للزجاج ٣ / ٤٢٠ ، مشكل إعراب القرآن ٢ / ٩٥ ، الكشاف ٣ / ٣٠ ، التبيان ٢ / ٩٣٩ ، البحر المحيط ٦ / ٣٦٢.
(٦) في ب : مقدر. وهو تحريف.
(٧) عند قوله تعالى : «إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ» [البقرة : ٦].
(٨) انظر معاني القرآن وإعرابه للزجاج ٣ / ٤٢٠ ، تفسير ابن عطية ١٠ / ٢٥٤.
(٩) في ب : نكرة ومعرفة.
(١٠) فإنه قال : (والوجه الثاني : أن يكون «للناس» حالا ، والجملة بعده في موضع المفعول الثاني) التبيان ٢ / ٩٣٩.
(١١) فإنه قال : (و «جعلناه» : يتعدى إلى مفعولين ، فالضمير هو الأول ، وفي الثاني ثلاثة أوجه : أحدهما : «للناس» ، وقوله تعالى «سواء» خبر مقدم ، وما بعده المبتدأ ، والجملة حال إما من الضمير الذي هو الهاأ أو من الضمير في الجار) التبيان ٢ / ٩٣٩.