الوجه الثالث : أن المفعول الثاني محذوف. قال ابن عطية : المعنى الذي جعلناه للناس قبلة ومتعبدا(١). فتقدير ابن عطية هذا مرشد لهذا الوجه. إلا أن أبا حيان قال : ولا يحتاج إلى هذا التقدير إلا إن كان (٢) أراد تفسير المعنى لا الإعراب فيسوغ ؛ لأن الجملة في موضع المفعول الثاني ، فلا يحتاج إلى هذا التقدير (٣) وإن جعلناها متعدية لواحد كان قوله : «للناس» متعلقا بالجعل على الغلبة وجوز فيه أبو البقاء وجهين آخرين :
أحدهما : أنه حال من مفعول «جعلناه».
والثاني : أنه مفعول تعدى إليه بحرف الجر (٤).
وهذا الثاني لا يتعقل كيف يكون «للناس» مفعولا عدي إليه الفعل بالحرف هذا ما لا يعقل ، فإن أراد أنه مفعول من أجله فهي عبارة بعيدة من عبارة النحاة. وأما على قراءة حفص فإن قلنا : «جعل» يتعدى لا ثنين كان «سواء» مفعولا ثانيا (٥). وإن قلنا : يتعدى لواحد كان حالا من هاء «جعلناه» (٦) وعلى التقديرين ف «العاكف» مرفوع به على الفاعلية ؛ لأنه مصدر وصف به ، فهو في قوة اسم الفاعل المشتق ، تقديره : جعلناه مستويا فيه العاكف ، ويدل عليه قولهم : مررت برجل سواء هو والعدم ، فهو (٧) تأكيد للضمير المستتر فيه ، والعدم نسق على الضمير المستتر ؛ ولذلك ارتفع (٨) ، ويروى : سواء والعدم ؛ بدون تأكيد وهو شاذ (٩) وقرأ الأعمش وجماعة «سواء» نصبا «العاكف» جرا (١٠) ، وفيه وجهان :
أحدهما : أنه بدل من الناس بدل تفصيل (١١).
__________________
(١) ابن عطية ١٠ / ٢٥٤. وفيه : أو متعبدا.
(٢) في ب : قال. وهو تحريف.
(٣) البحر المحيط ٦ / ٣٦٣.
(٤) انظر التبيان ٢ / ٩٣٩.
(٥) انظر إعراب القرآن للنحاس ٣ / ٩٣ ، الكشاف ٣ / ٣٠ ، تفسير ابن عطية ١٠ / ٢٥٤ ، التبيان ٢ / ٩٣٩ ، البحر المحيط ٦ / ٣٦٣.
(٦) انظر الكشف ٢ / ١١٨ ، تفسير ابن عطية ١٠ / ٢٥٤ ، البيان ٢ / ١٧٣ ، البحر المحيط ٦ / ٣٦٣.
(٧) في الأصل : وهو.
(٨) انظر مشكل إعراب القرآن ٢ / ٩٥ ـ ٩٦ ، تفسير ابن عطية ١٠ / ٢٥٥ ، البحر المحيط ٦ / ٣٦٣.
(٩) من جهة أنه لا يجوز عند البصريين العطف على الضمير المرفوع المتصل إلا بعد تأكيده بالضمير المنفصل ، أو أي فاصل آخر ، خلافا للكوفيين في إجازتهم العطف عليه بلا فاصل. قال سيبويه : (وأما قوله : مررت برجل سواء والعدم ، فهو قبيح حتى تقول : هو والعدم ؛ لأن في سواء اسما مضمرا مرفوعا ، كما تقول : مررت بقوم عرب أجمعون فارتفع أجمعون على مضمر في عرب بالنية ، فهي هنا معطوفة على المضمر وليست بمنزلة أبي عشرة ، فإن تكلمت به على قبحه رفعت (العدم) ، وإن جعلته مبتدأ رفعت سواء) الكتاب ٢ / ٣١. وانظر الهمع ٢ / ١٣٨ ـ ١٣٩.
(١٠) تفسير ابن عطية ١٠ / ٢٥٥ ، البحر المحيط ٦ / ٣٦٣.
(١١) انظر مشكل إعراب القرآن ٢ / ٩٦ ، البيان ٢ / ١٧٣ ، التبيان ٢ / ٩٣٩ ، البحر المحيط ٦ / ٣٦٣.