فإن قيل : من حلّ قتله لا يدخل في النفس المحرمة ، فكيف يصحّ هذا الاستثناء فالجواب : أن المقتضي لحرمة القتل قائم أبدا ، وجواز القتل إنما ثبت بمعارض ، فقوله : (حَرَّمَ اللهُ) إشارة إلى المقتضي ، وقوله : «إلّا بالحقّ» إشارة إلى المعارض (١) والسبب المبيح للقتل هو الردة ، والزنا بعد الإحصان ، وقتل النفس المحرمة (٢).
قوله : (وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ) هذه إشارة إلى جميع ما تقدم ، لأنه بمعنى ما ذكر (فلذلك وحّد(٣)) (٤).
قوله : «يلق» (٥). قراءة العامة مجزوما على جزاء الشرط بحذف الألف ، وقرأ عبد الله وأبو رجاء «يلقى» بإثباتها (٦) كقوله : (فَلا تَنْسى)(٧) على أحد القولين (٨) ، وكقراءة لا تخف دركا ولا تخشى (٩) [طه : ٧٧] في أحد القولين (١٠) أيضا ، وذلك بأن نقدر علامة الجزم حذف الضمة المقدرة(١١). وقرأ بعضهم «يلقّ» بضم الياء وفتح اللام وتشديد القاف (١٢) من لقاه كذا. والأثام مفعول على قراءة الجمهور ، ومفعول ثان على قراءة هؤلاء والأثام العقوبة ، قال :
٣٨٩٠ ـ جزى الله ابن عروة حيث أمسى |
|
عقوقا والعقوق له أثام (١٣) |
أي عقوبة.
وقيل : هو الإثم نفسه ، أي : يلق جزاء إثم (١٤). قال أبو مسلم : والأثام والإثم واحد ، والمراد هاهنا جزاء الأثام ، فأطلق اسم الشيء على جزائه (١٥).
__________________
(١) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ١١١.
(٢) المرجع السابق.
(٣) انظر البحر المحيط ٦ / ٥١٥.
(٤) ما بين القوسين في ب : فكذلك وجد. وهو تحريف.
(٥) في ب : «يَلْقَ أَثاماً».
(٦) انظر البحر المحيط ٦ / ٥١٥.
(٧) من قوله تعالى : «سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسى» [الأعلى : ٦].
(٨) القول الثاني : أن الألف حذفت للجزم ، والألف الثابتة ناشئة عن إشباع الفتحة.
(٩) [طه : ٧٧]. و «لا تخف» جزما والتاء مفتوحة قراءة حمزة وحده ، وقرأ الباقون «لا تخاف» رفعا بالألف. السبعة (٤٢١).
(١٠) أي على قراءة حمزة «لا تخف» بالجزم فقوله : «وَلا تَخْشى» قيل نشأت الألف لإشباع الفتحة ليتوافق رؤوس الآي ، وقيل : الألف في تقدير الجزم ، شبهت بالحروف الصحاح. انظر التبيان ٢ / ٨٩٩.
(١١) انظر البحر المحيط ٦ / ٥١٥.
(١٢) وهي قراءة ابن مسعود وأبي رجاء ، كذا نسبها ابن خالويه في المختصر (١٠٥).
(١٣) البيت من بحر الوافر ، نسبه أبو عبيدة في مجاز القرآن ٢ / ٨١ إلى بلعاء بن قيس الكناني ، ونسبه ابن منظور في اللسان (أثم) إلى شافع الليثي. وهو في الكشاف ٣ / ١٠٤ ، وتفسير ابن عطية ١١ / ٧٤ ، القرطبي ١٣ / ٧٦ البحر المحيط ٦ / ٥١٥ العقوق بالضم : منع بر الوالدين وقطع صلتهما. والشاهد فيه أن قوله : (أثام) بمعنى : جزاء وعقاب.
(١٤) انظر الكشاف ٣ / ١٠٤.
(١٥) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ١١١.