وقال الزجاج : «من» ههنا للتجنيس (١) ، أي اجتنبوا الأوثان التي هي الرجس (وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ). واعلم أنه تعالى (٢) لما حثّ على تعظيم حرماته أتبعه بالأمر باجتناب الأوثان وقول الزور ، لأن توحيد الله وصدق القول أعظم الحرمات ، وإنما جمع الشرك وقول الزور في سلك واحد ، لأن الشرك من باب الزور ، لأن المشرك زاعم أن الوثن يحق له العبادة فكأنه قال : فاجتنبوا عبادة الأوثان التي هي رأس الزور واجتنبوا قول الزور كله ، ولا تقربوا (٣) شيئا منه ، وما ظنك بشيء من قبيله عبادة الأوثان (٤). وسمى الأوثان رجسا لا للنجاسة لكن لأن وجوب تجنبها أوكد من وجوب تجنب الرجس ، ولأن عبادتها أعظم من التلوث بالنجاسات. قال الأصمّ : إنما وصفها بذلك لأن عادتهم في القربان أن يتعمدوا سقوط الدماء عليها. وهذا بعيد ، وإنما وصفها بذلك استحقارا واستخفافا (٥).
والزور (٦) من الازورار وهو الانحراف كما أن الإفك (٧) (من أفكه إذا صرفه) (٨) وذكر المفسرون في قول الزور وجوها :
الأول : قولهم : هذا حلال وهذا حرام ، وما أشبه ذلك.
والثاني : شهادة الزور ؛ لأن النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ صلى الصبح فلما سلم قام قائما ، واستقبل الناس بوجهه ، وقال : «عدلت شهادة الزور الإشراك بالله» وتلا هذه الآية (٩).
الثالث : الكذب والبهتان.
الرابع : قول أهل الجاهلية في تلبيتهم لبيك لا شريك لك إلا شريك هو لك تملكه وما ملك(١٠).
قوله : (حُنَفاءَ لِلَّهِ) حال من فاعل «اجتنبوا» (١١) ، وكذلك (غَيْرَ مُشْرِكِينَ)(١٢)
__________________
(١) قال الزجاج :(«من» ههنا لتخليص جنس من أجناس المعنى فأجتنبوا الرجس الذي هو الوثن) معاني القرآن وإعرابه ٣ / ٤٢٥.
(٢) من هنا نقله ابن عادل عن الفخر الرازي ٢٣ / ٣٢.
(٣) في ب : ولا تقولوا. وهو تحريف.
(٤) في الأصل بعد قوله : (عبادة الأوثان) كرر قوله : التي هي رأس الزور واجتنبوا قول الزور كله.
(٥) آخر ما نقله هنا عن الفخر الرازي ٢٣ / ٣٢.
(٦) من هنا نقله ابن عادل عن الفخر الرازي ٢٣ / ٣٢ ـ ٣٣.
(٧) في النسختين : الإبل. والصواب ما أثبته.
(٨) ما بين القوسين بياض في الأصل ، وسقط من ب. والتكملة من الفخر الرازي.
(٩) أخرجه الترمذي (شهادات) ٤ / ٥٤٧ ، أبو داود (أقضية) ٤ / ٥٢٤ ابن ماجه (أحكام) ٢ / ٩٧٤ ، أحمد ٤ / ١٧٨ ، ٢٣٣ ، ٣٢١ ، ٣٢٢.
(١٠) آخر ما نقله هنا عن الفخر الرازي ٢٣ / ٣٢ ـ ٣٣.
(١١) في ب : اختلفوا. وهو تحريف.
(١٢) انظر تفسير ابن عطية ١٠ / ٢٧٤ ، وجوز ابن عطية أن يكون قوله : «غَيْرَ مُشْرِكِينَ» صفة لقوله «حنفاء».