الطير فتفرق مزعا (١) في حواصلها ، أو عصفت به الرياح حتى هوت به في بعض المطاوح (٢) البعيدة.
وإن كان مفرقا فقد شبه الإيمان في علوّه بالسماء ، والذي ترك الإيمان وأشرك بالله بالساقط من السماء والأهواء التي تتوزع أفكاره بالطير المختطفة ، والشيطان الذي يطوح به في وادي الضلال بالريح التي تهوي بما عصفت به في بعض المهاوي المتلفة (٣). والسحيق البعيد ، ومنه : سحقه الله ، أي : أبعده ، ومنه قول عليهالسلام (٤) : «سحقا سحقا» (٥) أي بعدا بعدا. والنخلة السحوق الممتدة في (٦) السماء من ذلك (٧).
قوله تعالى (٨) : (ذلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعائِرَ اللهِ) الآية. إعراب «ذلك» كإعراب «ذلك» المتقدم (٩) وتقدم تفسير الشعيرة واشتقاقها في المائدة (١٠). والمعنى : ذلك الذي ذكرت من اجتناب الرجس ، وقول الزور (١١) ، وتعظيم شعائر الله من تقوى القلوب.
قال ابن عباس (١٢) : شعائر الله البدن والهدايا. وأصلها من الإشعار وهو إعلامها لتعرف أنها هدي ، وتعظيمها استحسانها واستسمانها. وقيل : شعائر الله أعلام دينه (١٣).
وقيل : مناسك الحج.
__________________
(١) مزعا : هو جمع مزعة ، وهو القطعة من اللحم ، أي تفرق قطعا من اللحم في حواصلها. انظر اللسان (مزع).
(٢) المطاوح : المقاذف. وطوحته الطوائح : قذفته القذائف. اللسان (طوح).
(٣) الكشاف ٣ / ٣١ ـ ٣٢.
(٤) في ب : عليه الصلاة والسلام.
(٥) أخرجه البخاري (فتن) ٤ / ٢٢١ ، مسلم (طهارة) ١ / ٢١٨ ، فضائل ٤ / ١٧٩٣ ، ابن ماجه (زهد) ٢ / ١٤٤٠ ، الموطأ (طهارة) ١ / ٣٠ ، أحمد ٢ / ٣٠٠ ، ٤٠٨ ، ٣ / ٢٨ ، ٥ / ٣٣٣ ، ٣٣٩.
(٦) في الأصل : من. وهو تحريف.
(٧) اللسان (سحق).
(٨) تعالى : سقط من الأصل.
(٩) في قوله تعالى : «ذلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُماتِ اللهِ» من الآية (٣٠) من السورة نفسها.
(١٠) عند قوله تعالى : «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحِلُّوا شَعائِرَ اللهِ وَلَا الشَّهْرَ الْحَرامَ» [المائدة : ٢]. وذكر هناك : قال ابن عباس ومجاهد: هي مناسك الحج ، وقال أبو عبيدة : شعائر الله هي الهدايا ، ثم عطف عليه الهدايا ، والمعطوف يجب أن يكون مغايرا للمعطوف عليه ، والشعائر جمع ، والأكثرون على أنه جمع شعيرة ، وقال ابن فارس : واحدها شعارة ، والشعيرة. فعيلة بمعنى مفعولة ، والشعيرة المعلمة ، والإشعار الإعلام ، وكل شيء علم فقد شعر ، وهو هنا أن يطعن في صفحة سنام البعير بحديدة حتى يسيل الدم ، فيكون ذلك علامة أنها هدي ..... انظر اللباب ٣ / ٢٠٧.
(١١) انظر البغوي ٥ / ٥٨١.
(١٢) من هنا نقله ابن عادل عن البغوي ٥ / ٥٨١ ـ ٥٨٢.
(١٣) آخر ما نقله هنا عن البغوي ٥ / ٥٨١ ـ ٥٨٢.