ثم إنّه قد حكي عن الصدوق في معاني الأخبار (١) : تعليل فساد بعض المعاملات المتعارفة في الجاهلية ـ كبيع المنابذة والملامسة وبيع الحصاة ـ بكونها (٢) غررا (١). مع أنّه (٣) لا جهالة في بعضها (٤) كبيع المنابذة ،
______________________________________________________
(١) غرض الشيخ الصدوق قدسسره تطبيق النهي عن بيع المنابذة والملامسة والحصاة على القاعدة ، بأن يكون فسادها من باب الغرر والجهالة ، لا التعبد المحض ، وفقد الصيغة المعهودة في البيع. ووجه صدق الغرر عدم العلم بأنّ المنبوذ أو ما أصابه الحصاة ذو قيمة مرتفعة أو منخفضة ، فيبقى الجهل بالمبيع والثمن بحاله ، فيبطل.
(٢) متعلق ب «تعليل» والضمير راجع إلى بعض المعاملات المتعارفة في الجاهلية.
(٣) ناقش المصنف قدسسره في تعليل البطلان ـ بالغرر ـ بمنع الصغرى ، وتوضيحه : أن الشيخ الصدوق قدسسره فسّر بيع المنابذة بأنه تعيين المبيع بالنبذ ، بأن يقول المشتري لبائع الثوب «انبذه إليّ ، فإذا رميته فقد وجب البيع» أو يقول البائع للمشتري : «أنبذه إليك فإذا رميته فقد لزم البيع». والظاهر كون الثوب المنبوذ معلوما عندهما ، فلا جهالة فيه حتى يكون غرريا.
وكذا الحال في بيع الحصاة ، لكون المبيع معيّنا عند المتبايعين ، ويكون إنشاء البيع برمي الحصاة وإصابتها به.
ولمّا لم يكن جهالة في المبيع ـ بناء على تفسير الغرر في كلام الشيخ الصدوق قدسسره بالنسبة إلى هذه البيوع الثلاثة ـ فلا بدّ من أن يكون مقصوده جهالة خاصة مبطلة للبيع ، بأن لا يسبق تعيين المبيع قبل النبذ ، وإنّما اريد تعيينه بنفس النبذ وإلقاء الحصاة عليه ، ولمسه ، وحينئذ يكون المبيع مجهولا ، إذ التعيين إنّما يتحقق بأحد هذه الأمور ، لا أنّه يتعين قبل ذلك ، ثم يقع النبذ أو غيره.
(٤) المراد بالبعض هو بيع المنابذة والحصاة ، والاقتصار عليهما وعدم ضمّ بيع
__________________
(١) معاني الأخبار ، ص ٢٧٨.