(الم تَنْزِيلُ الْكِتابِ لا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ بَلْ هُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ) [سورة السجدة آية : ١ ـ ٣] ، ولم يتقدم في الكلام أيقولون كذا فنرد عليه أم يقولون ، وقيل : إنما أراد أيقولون افتراه ، والصحيح أن أم هاهنا بمعنى بل فرد قولهم ، ثم قال : (هُوَ الْحَقُّ).
قال المبرد : لأم موضعان ، وكلاهما استفهام ، فأحدهما : أن تسأل عن شيء من شيئين أو أكثر من ذلك تدعي من الاثنين والجميع واحدا ولا تدري أيهما هو وذلك قولك : أزيد في الدار أم عمرو ، وأزيد أفضل أم خالد ، وعبد الله عندك أم عمرو وأنت الآن مدع أن أحدهما عنده ولا تدري أيهما هو ، ولا يصلح في جوابه لا ولا نعم على ما تقدم قبل ، وإنما جوابه أن تقول : فلان عندي أو تقول : كلاهما عندي ، أو تقول : لا زيد عندي ولا عمرو فإذا قلت : ليت شعري أزيد في الدار أم عمرو فإنما أخبرت أنهما قد استويا عندك في الكون هناك ، وكذلك قولك : لا أبالي عمرا ضربت أم زيدا وسواء ذلك علي إن أدبر زيد أم أقبل.
وكل هذا تسوية وعلم في تقديره أنه سيقع ، ومن ذلك قوله تعالى : (أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمِ السَّماءُ بَناها) [سورة النازعات آية : ٢٧] ، وقوله : (أَهُمْ خَيْرٌ أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ) [سورة الدخان آية : ٣٧] خرج مخرج التوقيف والتوبيخ ، قال : واعتبر هذا يأتي فإنها تكون لأحد شيئين أو لأحد أشياء تقول : ما أبالي أي : ذلك كان وسواء علي أي : ذلك كان ، وعلمت أي : ذلك كان ، وأتى غير عامل فيها ما قبلها وإنما هي كقولك قد علمت أزيد في الدار أم عمرو.
وإذا قلت : أيهما في الدار فمعناه هذا أم هذا فمن ذلك قوله تعالى : (أَيُّ : الْحِزْبَيْنِ أَحْصى) [سورة الكهف آية : ١٢] ، وأما قوله تعالى : (وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ) [سورة الشعراء آية : ٢٢٧] فأي منصوبة بينقلبون ، كما يقول : علمت أيهم في الدار.
والوجه الثاني : أن أم تجيء للإضراب عن الشيء إلى الشيء فتكون منقطعة عما قبلها خبرا كان أو استفهاما وذلك يكون لوجهين :