الثاني : الاستيلاء ، قال الله : (الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى) [سورة طه آية : ٥] ، ومنه قول الشاعر :
فلمّا علونا واستوينا عليهم |
|
تركناهم صرعى لنسر وكاسر |
الثالث : الاستقرار ، قال الله : (وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِ) [سورة هود آية : ٤٤] أي : استقرت.
الرابع : التماثل ، قال الله : (لا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ) [سورة المائدة آية : ١٠٠] أي : ليسا مثلين ، وأما قوله تعالى : (ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوى) [سورة النجم آية : ٦] أي : استوت
__________________
وقال بعضهم : لم يكن ذلك من الله جل ذكره بتحوّل ، ولكنه بمعنى فعله ، كما تقول : كان الخليفة في أهل العراق يواليهم ، ثم تحوّل إلى الشام. إنما يريد : تحوّل فعله. [وقال بعضهم : قوله : " ثم استوى إلى السماء" يعني به : استوت]
وقال بعضهم : " ثم استوى إلى السماء" ، عمد لها. وقال : بل كلّ تارك عملا كان فيه إلى آخر ، فهو مستو لما عمد له ، ومستو إليه.
وقال بعضهم : الاستواء هو العلو ، والعلوّ هو الارتفاع. وممن قال ذلك الربيع بن أنس. ثم اختلف متأوّلو الاستواء بمعنى العلوّ والارتفاع ، في الذي استوى إلى السّماء. فقال بعضهم : الذي استوى إلى السماء وعلا عليها ، هو خالقها ومنشئها. وقال بعضهم : بل العالي عليها : الدّخان الذي جعله الله للأرض سماء (٥).
قال أبو جعفر : الاستواء في كلام العرب منصرف على وجوه : منها انتهاء شباب الرجل وقوّته ، فيقال ، إذا صار كذلك : قد استوى الرّجل. ومنها استقامة ما كان فيه أود من الأمور والأسباب ، يقال منه : استوى لفلان أمره. إذا استقام بعد أود.
وأولى المعاني بقول الله جل ثناؤه : " ثم استوى إلى السماء فسوّاهن" ، علا عليهن وارتفع ، فدبرهنّ بقدرته ، وخلقهنّ سبع سموات.
والعجب ممن أنكر المعنى المفهوم من كلام العرب في تأويل قول الله : " ثم استوى إلى السماء" ، الذي هو بمعنى العلو والارتفاع ، هربا عند نفسه من أن يلزمه بزعمه ـ إذا تأوله بمعناه المفهم كذلك ـ أن يكون إنما علا وارتفع بعد أن كان تحتها ـ إلى أن تأوله بالمجهول من تأويله المستنكر. ثم لم ينج مما هرب منه! فيقال له : زعمت أن تأويل قوله" استوى" أقبل ، أفكان مدبرا عن السماء فأقبل إليها؟ فإن زعم أنّ ذلك ليس بإقبال فعل ، ولكنه إقبال تدبير ، قيل له : فكذلك فقل : علا عليها علوّ ملك وسلطان ، لا علوّ انتقال وزوال. ثم لن يقول في شيء من ذلك قولا إلا ألزم في الآخر مثله. ولو لا أنا كرهنا إطالة الكتاب بما ليس من جنسه ، لأنبأنا عن فساد قول كل قائل قال في ذلك قولا لقول أهل الحق فيه مخالفا. وفيما بينا منه ما يشرف بذي الفهم على ما فيه له الكفاية إن شاء الله تعالى. [جامع البيان : ١ / ٤٣٠].