الأول : هذا القول ، وهو قوله تعالى : (فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) [سورة الجمعة آية : ٦] ، وذلك أن اليهود قالوا : نحن أبناء الله وأحباؤه ، فقال الله لهم : إن كنتم كذلك فتمنوا الموت لتموتوا ، فتصيروا إلى الثواب عاجلا ، ثم أخبر أنهم لا يتمنونه أبدا بما قدمت أيديهم من الذنوب ، فكان هذا خبر غيب دالا على صدق الدعوة ، فلم يكن فيهم أحد يقول : إني تمنيت ولم أمت ، وشرح ذلك جرى في كتابنا في التفسير.
والثاني : القراءة ، قال الله تعالى : (وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلَّا إِذا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ) [سورة الحج آية : ٥٢] ، يقال : تمنى الرجل إذا قرأ ، قال الشاعر :
تمنّى كتاب الله أوّل ليلة |
|
وآخرها لا في حمام المقادر |
والرسول والنبي واحد ، وإنما أراد التوكيد فكرره كما تقول : أحب كل مؤمن ومسلم ، والمؤمن والمسلم سواء ، وعلى هذا فإن بين المؤمن والمسلم فرقا في العربية ، وكذلك بين الرسول والنبي ، وأما في أسماء الدين فكل ذلك سواء ، وكان النبي صلىاللهعليهوآله إذا قرأ القرآن غلط الغلط الذي يجوز مثله على القارئ ، وكان الله ينبهه على الصواب ، فيرجع إليه ، فعاب ذلك عليه أعداؤه ، وليس فيه عيب ؛ لأن البشر لا يخلو من السهو والغلط ، وجعل الله تنبيهه إياه على الغلط نسخا له ، ورده إلى الصواب إحكاما لآياته.
وأما ما روي أنه صلىاللهعليهوآله قرأ : أفرأيتم اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى ، تلك الغرانيق العلى ، منها الشفاعة ترتجى ، ثم سجد ، وسجد المشركون ، وقالوا : قد رجع إلى دينكم ، فإن ذلك كذب ، لأن القارئ لا يغلط بمثل هذا ، ولا يجوز أن يقوله النبي صلىاللهعليهوآله تعمدا ، لأنه كفر ، ولا يقع الكفر من الأنبياء.
وأخرى فإنه لا خلاف بين الرواة أنه صلىاللهعليهوآله ، كان لا يمكنه الصلاة عند الكعبة ظاهرا ؛ لما كان المشركون ينالونه به من المكروه ، فكان يصلي عندها ليلا حين لا يطلع عليه أحد منهم ، فكيف سجدوا لقراءته ، وهذه حاله عندهم ، حتى كأنهم كانوا على ميعاد منه؟!.