وسبحان الله : تنزيه له مما لا يليق به ، ونصبه على مذهب المصدر ؛ كأنك قلت : تسبيحا له.
وسبحان : معرفة وعلم خاص ؛ فإن نونه شاعر فللضرورة ، وقوله تعالى : (إِنَّ لَكَ فِي النَّهارِ سَبْحاً طَوِيلاً) [سورة آية المزمل آية : ٧] أي : فراغا كبيرا للنوم ، وقد أوجب الله على العباد أن يسبحوه ويقدسوه ، وفي ذلك أوضح الدلالة على أنه لا يجوز إضافة الفواحش إليه.
والتسبيح في القرآن على ثلاثة أوجه :
الأول : الصلاة ، قال الله تعالى : (فَسُبْحانَ اللهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ) [سورة الروم ، الأنبياء : ١٧ ، ٢٢] ، والسبحة : صلاة التطوع ، وقوله : (فَلَوْ لا أَنَّهُ كانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ) [سورة الصافات آية : ١٤٣] أي : المصلين. (١)
__________________
(١) قال الشوكاني في فتح القدير : والفاء لترتيب ما بعدها على ما قبلها ، أي : فإذا علمتم ذلك فسبحوا الله ، أي نزهوه عما لا يليق به في وقت الصباح والمساء وفي العشي ، وفي وقت الظهيرة. وقيل : المراد بالتسبيح هنا الصلوات الخمس. فقوله : (حِينَ تُمْسُونَ): صلاة المغرب والعشاء ، وقوله : (وَحِينَ تُصْبِحُونَ): صلاة الفجر ، وقوله : (وَعَشِيًّا) صلاة العصر ، وقوله : (وَحِينَ تُظْهِرُونَ) : صلاة الظهر ، وكذا قال الضحاك وسعيد بن جبير وغيرهما. قال الواحدي : قال المفسرون : إن معنى (فَسُبْحانَ اللهِ) : فصلوا لله. قال النحاس : أهل التفسير على أن هذه الآية في الصلوات قال : وسمعت محمد بن يزيد يقول : حقيقته عندي : فسبحوا الله في الصلوات ؛ لأن التسبيح يكون في الصلاة. وجملة : (وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) معترضة مسوقة للإرشاد إلى الحمد ، والإيذان بمشروعية الجمع بينه وبين التسبيح كما في قوله سبحانه : (فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ)[الحجر : ٩٨] وقوله : (وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ)[البقرة : ٣٠] وقيل : معنى (وَلَهُ الْحَمْدُ) أي الاختصاص له بالصلاة التي يقرأ فيها الحمد ، والأول أولى. وقرأ عكرمة : «حينا تمسون وحينا تصبحون ،» والمعنى : حينا تمسون فيه ، وحينا تصبحون فيه. والعشيّ : من صلاة المغرب إلى العتمة. قاله الجوهري ، وقال قوم : هو من زوال الشمس إلى طلوع الفجر ، ومنه قول الشاعر :
غدونا غدوة سحرا بليل |
|
عشيا بعد ما انتصف النهار |
وقوله : (عَشِيًّا) معطوف على حين (فِي السَّماواتِ) متعلق بنفس الحمد ، أي الحمد له يكون في السماوات والأرض (يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ) كالإنسان من النطفة والطير من البيضة (وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِ) كالنطفة والبيضة من الحيوان. وقد سبق بيان هذا في سورة آل عمران. وقيل : ووجه تعلق هذه الآية بالتي قبلها أن الإنسان عند الصباح يخرج من شبه الموت وهو النوم إلى شبه الوجود وهو اليقظة ، وعند العشاء يخرج من اليقظة إلى النوم (وَيُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها) أي يحييها بالنبات بعد موتها باليباس ، وهو