وليس في الإسلام ما لا سبيل إلى الخلاص من عقوبته ، ويحتج به فيما اختلف فيه من الحوادث ، فقيل : أن ما أدى إلى الضيق وهو منفي ، وما أوجب التوسعة فهو أولى ، وقال : (وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً) [سورة الأنعام آية : ١٢٥] ، والمعنى أنه تعالى يمنعهم الطاعة التي ينشرح مع أمثالها قلوب المؤمنين جزاء بما قدموا من الذنوب ، ودليل ذلك قوله في آخر الآية : (كَذلِكَ يَجْعَلُ اللهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ) [سورة الأنعام آية : ١٢٥] ، فيحلهم الذنب كما تسمع.
الثالث : الإثم ، قال الله : (وَلا عَلَى الَّذِينَ لا يَجِدُونَ ما يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ) [سورة التوبة آية : ٩١] ، أي : إثم ، وقوله : (لَيْسَ عَلَى الْأَعْمى حَرَجٌ) [سورة النور آية : ٦١] ، وإذا لم يكن عليه مع العمى إثم ، فكيف يكون مع عدم القدرة عليه الإثم والعقاب.
وقال الزهري ، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة : أن المسلمين كانوا إذا غزوا خلفوا زمناهم وعميانهم في بيوتهم ، ودفعوا إليهم المفاتيح ، وقالوا لهم : أحللنا لكم أن تأكلوا منها ؛ فكانوا يتحرجون من ذلك فنزل قوله : (لَيْسَ عَلَى الْأَعْمى حَرَجٌ وَلا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَلا عَلى أَنْفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ) [سورة النور آية : ٦١].
وذهب أبو علي رحمهالله إلى أن معنى قوله : (لَيْسَ عَلَى الْأَعْمى حَرَجٌ) [سورة النور آية : ٦١] ، أنه ليس عليه ضيق في ترك القتال ، والصحيح الذي قلنا ، والدليل على ذلك قوله : (وَلا عَلى أَنْفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ) [سورة النور آية : ٦١] ، فتلى ذكر الأكل بذكر الأكل ، وليس بالوجه أن يتلو ذكر الحرب بذكر الأكل.