وجواز شهادة أقل من رجلين أو رجل وامرأتين خطأ بدلالة هذه الآية ، ومن أجاز بتثبيت الحق بتميز الطالب وإشهاد شاهد واحد ؛ فإنه مبطل لظاهر هذه الآية.
والأمة مجمعة على أنها غير منسوخة ، وقوله : (وَأَشْهِدُوا إِذا تَبايَعْتُمْ) [سورة البقرة آية : ٢٨٢] ، لفظ عام ، والمعنى خصوص ، أي : إذا خفتم رجوع أحد المبايعين عما عقد على نفسه ، فاشهدوا عليه بما عقد.
والكتاب والإشهاد واجبان عند تخوف الإضاعة ، وقوله : (فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضاً) [سورة البقرة آية : ٢٨٣] ، يشهد بصحة هذا التأويل ، وقال : (وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ) [سورة الطلاق آية : ٢].
السادس : الحاضر ، قال تعالى : (أَنْعَمَ اللهُ عَلَيَّ إِذْ لَمْ أَكُنْ مَعَهُمْ شَهِيداً) [سورة النساء آية : ٧٢] ، وقال : (وَبَنِينَ شُهُوداً) [سورة المدثر آية : ١٣] ، أي : حضورا وقال : (أَمْ كُنْتُمْ شُهَداءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ) [سورة البقرة آية : ١٣٣] ، أي : حضورا.
السابع : الأحكام والأعلام من الناس ؛ وهو قوله : (وَادْعُوا شُهَداءَكُمْ مِنْ دُونِ اللهِ) [سورة البقرة آية : ٢٣] وقد مر.
الثامن : الفطن الحاضر الذهن ؛ قال : (أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ) [سورة ق آية : ٣٧] وحقيقة إلقاء السمع الاستماع ؛ أي : استمع إليك وهو شهيد ؛ أي : قلبه شاهد عندك لا يغيب عنك فهمه ، وإذا كان كذلك انتفع بالخير الذي تدعوا إليه.
وأما قوله : (قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهادَةً قُلِ اللهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ) [سورة الأنعام آية : ١٩] فمجازه أي : شيء أكبر شهادة فيكون شاهد لي على دعائي إياكم ، وتكذيبكم لي قل الله شاهد لي على ذلك.
وفي هذا دليل على أن الله شيء ؛ ألا ترى أنه لا يجوز لك إذا قيل لك : أي : الناس أصدق؟ أن تقول جبريل ؛ لأن جبريل ليس من الناس ، ولو لم يكن منفردا عند القائل والسامع أن الله شيء ؛ لكان هذا الكلام لغوا لا معنى له ؛ فإن قيل : (أَيُّ : شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهادَةً) تمام.