سبأ آية : ١٩] قال : أرادوا بعد الهمة والضرب في الأرض ؛ ولكن ما قول قومك في : (إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ) [سورة الأنفال آية : ٣٢] هلا قالوا : إن كان هذا هو الحق من عندنا فاهدنا له؟ ومثله : (وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللهِ وَآخَرُونَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ) [سورة المزمل آية : ٢٠] فوضع التاجر مع المجاهد ، وفي ذلك بيان عن فضل التجارة.
الثاني : الضرب باليد والسيف وغيره ؛ قال : (فَضَرْبَ الرِّقابِ)(١) [سورة محمد آية : ٤] وسمي ضربا لأن أثره يثبت في المضروب ، ونصب ضرب الرقاب على المصدر.
والمراد فإذا لقيتم الذين كفروا فاقتلوهم ؛ ولكن أكثر القتل ضرب الرقبة ، فأخرج الكلام على الأكثر ، ولم يرد أن هذا الضرب مقصور على الرقبة.
والشاهد قوله : (وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنانٍ) [سورة الأنفال آية : ١٢] ، وقال : (فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْناقِ) [سورة الأنفال آية : ١٢] يعني : اضربوا الرؤوس ، واضربوا منهم كل بنان ؛ لأنه قال : إنكم تتمكنون منهم أشد تمكن ؛ فاضربوا الجليل من أبدانهم والدقيق.
وقيل : (فَوْقَ الْأَعْناقِ) [سورة الأنفال آية : ١٢] أي : ما بدا منها وهو على ما قلنا أنه أراد أن اقتلوهم.
الثالث : التبين والوصف ؛ قال تعالى : (ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً) [سورة إبراهيم آية : ٢٤] أي : وصف شبها وبينه.
__________________
(١) قال الرازي : ما الحكمة في اختيار ضرب الرقبة على غيرها من الأعضاء نقول فيه : لما بيّن أن المؤمن ليس يدافع إنما هو دافع ، وذلك أن من يدفع الصائل لا ينبغي أن يقصد أولا مقتله بل يتدرج ويضرب على غير المقتل ، فإن اندفع فذاك ولا يترقى إلى درجة الإهلاك ، فقال تعالى ليس المقصود إلا دفعهم عن وجه الأرض ، وتطهير الأرض منهم ، وكيف لا والأرض لكم مسجد ، والمشركون نجس ، والمسجد يطهر من النجاسة ، فإذا ينبغي أن يكون قصدكم أولا إلى قتلهم بخلاف دفع الصائل ، والرقبة أظهر المقاتل لأن قطع الحلقوم والأوداج مستلزم للموت لكن في الحرب لا يتهيأ ذلك ، والرقبة ظاهرة في الحرب ففي ضربها حز العنق وهو مستلزم للموت بخلاف سائر المواضع ، ولا سيما في الحرب. [مفاتيح الغيب : ١٤ / ٧٩].