وقرئ : بعد أمه ، أي : بعد نسيان. وقيل : (إِلى أُمَّةٍ مَعْدُودَةٍ) ، أي : جماعة معدودة ، بأنه ليس فيها من يؤمن ؛ فإذا صارت كذلك أهلكت بالعذاب.
السادس : قوله تعالى : (أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبى مِنْ أُمَّةٍ) [سورة النحل آية ٩٢] ، يعني : قوما يكونون أربى من قوم ؛ أي : أكثر عددا ، ومنه الربا ؛ لأنه زيادة في أصل المال.
ومثله : (وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنا مَنْسَكاً) [سورة الحج آية : ٣٤]. أراد أنه جعل لكل أمة من الأمم التي خلت فيها الرسل منسكا ؛ وهو الذبائح التي كان أمرهم أن يتقربوا بها إلى الله ـ ونتكلم في ذلك فيما بعد إن شاء الله ـ ولم يرد جميع الأمم ؛ لأنه لم يجعل للمجوس وعباد الأصنام مناسك (١).
السابع : الإمام ، قال الله تعالى : (إِنَّ إِبْراهِيمَ كانَ أُمَّةً قانِتاً) [سورة النحل آية ١٢٠]. أي : إماما يقتدى به في الخير.
وقيل الأمة : الرجل العظيم ، وسمي بذلك ؛ لأنه يؤم في الحوائج ؛ أي : يقصد.
__________________
(١) لما ذكر تعالى الذبائح بين أنه لم يخل منها أمة ، والامة القوم المجتمعون على مذهب واحد ، أي ولكل جماعة مؤمنة جعلنا منسكا. والمنسك الذبح وإراقة الدم ، قاله مجاهد : يقال : نسك إذا ذبح ينسك نسكا.
والذبيحة نسيكة ، وجمعها نسك ، ومنه قوله تعالى : " (أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ) " (١) [البقرة : ١٩٦].
والنسك أيضا الطاعة.
وقال الازهرى في قوله تعالى : "(وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنا مَنْسَكاً)" : إنه يدل على موضع النحر في هذا الموضع ، أراد مكان نسك. ويقال : منسك ومنسك ، لغتان ، وقرئ بهما. قرأ الكوفيون إلا عاصما بكسر السين ، الباقون بفتحها.
وقال الفراء : المنسك في كلام العرب الموضع المعتاد في خير أو شر. وقيل مناسك الحج لترداد الناس إليها من الوقوف بعرفة ورمى الجمار والسعى.
وقال ابن عرفة في قوله : " ولكل أمة جعلنا منسكا" : أي مذهبا من طاعة الله تعالى ، يقال : نسك نسك (٢) قومه إذا سلك مذهبهم. وقيل : منسكا عيدا ، قاله الفراء. وقيل : حجا ، قاله قتادة.
والقول الاول أظهر ، لقوله تعالى : (لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللهِ عَلى ما رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعامِ) أي على ذبح ما رزقهم.
فأمر تعالى عند الذبح بذكره وأن يكون الذبح له ، لانه رازق ذلك.
ثم رجع اللفظ من الخبر عن الامم إلى إخبار الحاضرين بما معناه فالاله واحد لجميعكم ، فكذلك الامر في الذبيحة إنما ينبغى أن تخلص له.