ذلك ، وإنما أراد الإخبار عن كثرة ما أعده للفريقين ، وقيل : كلماته معلوماته ما خلق ، وما يريد أن يخلق والجملة أنه لم يرد الموجود ، وإنما يريد ما يستأنف ، لأن ما حصل في الوجود معروف قدره.
الثالث : قوله : (وَكَلِمَتُهُ أَلْقاها إِلى مَرْيَمَ) [سورة النساء آية : ١٧١] ، قيل : أراد أمره ، والمعنى عندي يرجع إلى الخلق ، أي : خلقه في رحمها من غير ذكر ، وسمي في رحمها من غير ذكر وسمي ليس أيضا في موضع آخر كلمة ، وهو قوله : (بِكَلِمَةٍ مِنْهُ) [سورة آل عمران آية : ٤٥] ، وذلك أن الناس ينتفعون به كما ينتفعون بكلام الله ، ويجوز أن تكون الكلمة هنا من ، قوله : (كُنْ فَيَكُونُ) ، وهو راجع إلى الخلق على ما ذكرنا ، ويجوز أن تكون كلمته ألقاها ، أي : بشارته ألقاها إلى مريم على لسان ملك ، كما قال لنا : (سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً) [سورة المزمل آية : ٥] ، وقيل ألقاها عليها أي : خلقه في بطنها ، وكان الله أخبر به في الكتب المتقدمة ، فلما ولد من غير ذكر ، قال الله لها : أن تلك الكلمة ، أي : المعنى بالكلمة ، وأما الكلمات في قوله تعالى : (وَإِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ) [سورة البقرة آية : ١٢٤] ، فمعناه أمره إياه وابتلاؤه بها تكليفه إياه طاعته فيها وسمي التكليف ابتلاء على مقتضى العرف ، وذلك إنا لا نعرف ما يأتي الرجل منا ، وما نذر حتى يكلفه ، والله عالم بنفسه غير محتاج إلى اجتلاب العلم بالابتلاء ولكنه على ما ذكرته.