ومن ذلك قيل : العدو لميله عمن يعاديه ، وسمي الظلم اعتداءا ؛ لأنه ميل عن الحق ، كما سمي جورا ؛ لأنه ميل.
وهو في القرآن على وجهين :
أولهما : التجاوز ، قال الله تعالى : (تِلْكَ حُدُودُ اللهِ فَلا تَعْتَدُوها) [سورة البقرة آية ٢٢٩]. أي : لا تجاوزوها إلى غيرها ، : (وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللهِ) [سورة البقرة آية ٢٢٩] أي : يتجاوزها ، ومثله : (وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ) [سورة الطلاق آية ١].
الثاني : الظلم ، قال الله تعالى : (فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ) [سورة البقرة آية ١٩٤]. أي : فمن ظلمكم فجازوه بظلمه ، فسمي الجزاء على الظلم ظلما.
قال الشاعر :
ألا لا يجهلنّ أحد علينا |
|
فنجهل فوق جهل الجاهلينا |
لم يفتخر هذا الشاعر بالجهل وإنما أراد الجزاء على الجهل.
والجهل هاهنا : ركون الرأس في الشر ، وليس هو ضد العلم.
وأول الآية : (الشَّهْرُ الْحَرامُ بِالشَّهْرِ الْحَرامِ وَالْحُرُماتُ قِصاصٌ) [سورة البقرة آية ١٩٤].
والمعنى : أن المشركين سألوا النبي صلىاللهعليهوآله عن القتال في الشهر الحرام ، فأنزل الله : (يَسْئَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرامِ قِتالٍ فِيهِ قُلْ قِتالٌ فِيهِ كَبِيرٌ [وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللهِ]) [سورة البقرة آية ٢١٧]. فأرادوا أن يغزوه في الشهر الحرام طمعا أن تكف عنهم فسألوا منه ، فأنزل الله : (الشَّهْرُ الْحَرامُ بِالشَّهْرِ الْحَرامِ). أي : إن استحلوا منك في الشهر الحرام شيئا فاستحل منهم مثله فيه ، وأكده ذلك بقوله : (وَالْحُرُماتُ قِصاصٌ). أي : لا يجوز ذلك بالمسلمين إلا قصاصا. ثم قال : (فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ) [سورة البقرة آية ١٩٤]. والمعنى : إنهم إن اعتدوا فقاتلوكم في الشهر الحرام فلا تقصروا عن قتالهم فيهم ، فيكون الاعتداء من المشركين الظلم ، ومن المسلمين الانتقام.