وقال بعضهم : أن مثل ما يوعدون من أنهار الماء واللبن والخمر في الجنة ما يعرفون من هذه الأشياء في الدنيا ، كأنه قال : مثل الجنة التي توعدون في الآخرة والجنة التي تعقلونها بهذه الصفة ، وهذا هو الوجه المختار.
الرابع : السنن ، قال الله : (أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ) [سورة البقرة آية : ٢١٤] ، يعني : سنن الذين من قبلكم ، أي : ما أخروا عليه في الدنيا من السراء والضراء وهذا بعيد.
والوجه أن يقال : أنه أراد ولما يصبكم مثل ما أصابهم من السراء والضراء ، وقيل : الشبه والمثل في الشبه والمثل في الهيئة في أكثر الكلام ، وقد يقال فيه : مثل ومثل لغتان ، والشبه في المتماثلين من كل شيء ، وبيان ذلك مشروح في كتابنا في الفروق ، وليس هذا موضع الإطالة فيه ، وعندنا أن المماثلة تكون بين الذوات والمشابهة بين الصفات ، ومثله قوله : (وَمَضى مَثَلُ الْأَوَّلِينَ) [سورة الزخرف آية : ٨] ، أي : سننهم.
ومثله قوله : (وَمَثَلاً مِنَ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ) [سورة النور آية : ٣٤] ، يعني : سنن العذاب ، كذا قيل ، والصحيح أنه أراد : (أَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ آياتٍ مُبَيِّناتٍ وَمَثَلاً مِنَ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ) [سورة النور آية : ٣٤] ، أي : أخبارا تكون لكم مثلا ، وعبرة تعتبرونها فتنتفعون بها في آيات الدين والدنيا ، وهكذا معنى قوله : (وَمَضى مَثَلُ الْأَوَّلِينَ) [سورة الزخرف آية : ٨] ، أي : مضى في القرآن من أخبارهم ما يكون مثلا.