تحققهما فلا محالة يترتب المعلول على العلة التامة المنحصرة.
التاسع : يستفاد من قوله تعالى : (رَبَّنا إِنَّنا سَمِعْنا مُنادِياً يُنادِي لِلْإِيمانِ) ان ايمانهم مبني على أمرين أحدهما الدليل العقلي الذي اعتمد على التفكر في خلق الله تعالى والادلة القطعية والثاني الدليل السمعي عند ما سمعوا المنادي يناديهم الى الايمان بالله تعالى وهم بعد تأملهم في هذا الدليل السمعي وقعت منهم الاجابة بلا فاصلة وفتور.
ويمكن ان يكون المراد بالسمع هنا الاجابة الحقيقية كما في قول «سمع الله لمن حمده» فالمنادى داع الى الله تعالى وشاهد على تحقق الدعوة الحقة وبعد فناء العالم ينتفي موضوع الدعوة وتبقى موضوع الشهادة.
وهذه الآية الشريفة على اختصارها تبين المبدأ والمعاد واستدل على الاول بالمعلول على وجود العلة وتسمى هذه الطريقة في الاصطلاح بالبرهان الاني واستدل على الثاني مع قطع النظر عن الملازمة بينهما بالإقرار والاعتراف الذي هو من أقوى الادلة في القوانين الجزائية.
العاشر : يستفاد من قوله تعالى : (وَتَوَفَّنا مَعَ الْأَبْرارِ) ان مقام الأبرار من أعلى المقامات الذي لا مقام أعلى وارفع عند الله تعالى منه قال جل شأنه : «إِنَّ كِتابَ الْأَبْرارِ لَفِي عِلِّيِّينَ ... يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ» المطففين ـ ١٨ وقال تعالى : «إِنَّ الْأَبْرارَ لَفِي نَعِيمٍ ... يُسْقَوْنَ مِنْ رَحِيقٍ مَخْتُومٍ خِتامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذلِكَ فَلْيَتَنافَسِ الْمُتَنافِسُونَ» المطففين ـ ٢٢ ويكفي في عظمة شأنهم ان هؤلاء الداعين مع علو شأنهم يطلبون من الله تعالى ان يتوفاهم مع الأبرار ويجعلهم معهم. فتكون حالاتهم من سنخ حالات الأبرار ، وان تكون عوالمهم كعوالمهم.
والحاصل : ان هذه الآية الكريمة تبين ان اولي الألباب هم الذين يكونون مع الأبرار في جميع النشآت وفي مرضاة الله تعالى والأبرار