ثم ان ما ذكرنا من اثبات الاطلاق وعدم ترجيح أحدهما على الآخر انما هو مع عدم القرينة ، فلا ينافي ثبوت خصوص الفور بالدليل الخارجي بنحو الافضلية بحيث يكون اتيان المأمور به في أول الوقت أو ثانيه له خصوصية زائدة على اتيانه في آخره كما في اوقات الفضيلة للصلاة ، أو بنحو الوجوب كما في الحج في السنة الاولى بالنسبة الى غيرها.
نعم قد يدّعى الفورية مطلقا بدلالة العقل بحسن المسارعة والاستباق الى اطاعة المولى بعد العلم بمطلوبه لكشفه عن حسن سريرة العبد مع المولى ورغبته الى انقياده ، بخلاف التأخير فانّه يكشف عن خبث سريرته وكونه غير راغب باطاعته ومتهاونا ؛ فيه ولا اشكال في كون الاول ممدوحا عند العقلاء كمذمومية الثاني عندهم.
ثم انّ الظاهر من آية المسارعة والاستباق الارشاد الى ما حكم به العقل من حسن المسارعة في الاطاعة فيتبع ما يرشد اليه من الوجوب والاستحباب ، لا الحكم به عن مولوية وجوبا ، وإلاّ لزم تخصيص الكثير أو الاكثر ، نظرا الى شمول آية الاستباق لكل الخيرات من الواجب والمستحب لكون الخيرات جمعا محلّى باللام مفيدا للعموم ؛ وكذا آية المسارعة نظرا الى كون النكرة وهو ( مَغْفِرَةٍ ) (١) الموصوفة بصفة الجنس وهو ( مِنْ رَبِّكُمْ ) دالة على العموم ، مع إباء المسارعة الى المغفرة عن التخصيص.
ثم انّ ما ذكرنا من حكم العقل بحسن المسارعة غير ما هو ظاهر القائلين بالفورية ، حيث انّ الظاهر منهم استفادة الفور قيدا للمادة واقعا بحيث يكون الاتيان في أول أزمنة الامكان بخصوصية ملزمة للاتيان معجلا ، لا مجرد الحسن في
__________________
(١) في آية « وَسارِعُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ » من سورة آل عمران : ١٣٣.