ويختلف ذلك بحسب اختلاف الأشخاص والأعصار والأمصار والمقامات.
والحق ـ كما ذكره جملة من أفاضل متأخري المتأخرين ـ انه لا دليل على اعتبار المروة في معنى العدالة ، بل الظاهر ان تعريف العدالة بالملكة المذكورة لا مستند له من الأخبار ايضا ولذا لم يذكره القدماء وانما وقع ذلك في كلام العلامة ومن تأخر عنه والظاهر انه اقتفى في ذلك العامة حيث انهم عرفوها بذلك (١).
قال في الذخيرة بعد ذكر التعريف المشار اليه : ولم أجد ذلك في كلام من تقدم على المصنف وليس في الأخبار منه اثر ولا شاهد عليه في ما أعلم وكأنهم اقتفوا في ذلك أثر العامة حيث يعتبرون ذلك في مفهوم العدالة ويوردونه في كتبهم. انتهى
أقول : وما ذكروه في معنى المروة مع كونه لا دليل عليه من الأخبار يدفعه ما ورد عنه (صلىاللهعليهوآله) (٢) انه كان يركب الحمار العاري ويردف خلفه وانه كان يأكل ماشيا إلى الصلاة بمجمع من الناس في المسجد وانه كان يحلب الشاة. ونحو ذلك.
ولا يخفى انه قد ورد هنا جملة من الأخبار في معنى المروة وليس في شيء منها
__________________
(١) في المغني ج ٩ ص ١٦٧ «العدل هو الذي تعتدل أحواله في دينه وأفعاله ففي الدين لا يرتكب كبيرة ولا يداوم على صغيرة واما المروءة فيجتنب الأمور الدنيئة المزرية به كأن ينصب مائدة في السوق ويأكل والناس ينظرون اليه أو يمد رجليه بحضرتهم أو يخاطب أهله بالخطاب الفاحش ، ومن ذلك ارتكاب الصناعات الدنيئة كالكناسة وأمثالها» وفي بدائع الصنائع ج ٦ ص ٢٦٨ ذكر خلافا في تعريفها فعند بعضهم العدل من لم يطعن عليه في بطن أو فرج وعند آخر من لم يعرف عليه جريمة في دينه وعند ثالث من غلبت حسناته سيئاته.
(٢) في أخلاق النبي «ص» ص ٦١ «كان رسول الله «ص» يركب الحمار بغير سرج» وفي ص ٦٣ «عاد سعدا وأردف خلفه أسامة بن زيد وكان يجلس على الأرض ويأكل على الأرض» وفي المواهب اللدنية كما في شرحها للزرقانى ج ٤ ص ٢٦٤ «كان (ص) يحلب شاته وكان انس رديف رسول الله «ص» عند رجوعهم من خيبر» وقد أورد جميع ذلك في البحار ج ٦ باب مكارم أخلاقه «ص» إلا انا لم نعثر على ما ذكره من أكله ماشيا.