من دونه فهو لحلوائهم هاضم ولدينه حاطم فأعمى الله على هذا خبره وقطع من آثار العلماء أثره ، وصاحب الفقه والعقل ذو كآبة وحزن وسهر قد تحنك في برنسه وقام الليل في حندسه يعمل ويخشى وجلا داعيا مشفقا مقبلا على شأنه عارفا بأهل زمانه مستوحشا من أوثق إخوانه فشد الله من هذا أركانه وأعطاه يوم القيامة أمانة». الى غير ذلك من الأخبار المذكورة في الكتاب المذكور وغيره.
أقول : وحينئذ فإذا كانت العلماء كما ذكره (عليهالسلام) من هذه الصفات الذميمة والأخلاق الغير القويمة فكيف يكتفى بمجرد ظاهر الاتصاف بهذه العلوم الرسمية وعدم استنباط أحوالهم وتمييز الفرد الذي يجوز الاقتداء به؟ وهل كلام الامام زين العابدين (عليهالسلام) في ذلك إلا لاستعلام هذا الفرد المشار إليه في هذا الخبر من هذين الفردين المشابهين له في بادئ النظر؟ ولا ريب انه لاشتراكهم في بادئ الأمر في الخضوع والخشوع والاتصاف بهذه العلوم الرسمية يدق الفرق ويحتاج الى مزيد تلطف وتأمل.
ويؤيد ما قلناه ما ذكره المحدث الكاشاني في بعض رسائله حيث قال : ان من أهل الشقاء لمن يبطن شقاءه فيلتبس أمره على الذين لا يعلمون ، ثم انه ليتوغل في الخفاء لتوغله في الشقاء فيذهب على الألباء أولى الذكاء حتى انهم يحسبون انهم مهتدون ، لشدة الشبه بين الفريقين وكثرة الشبه بين النجدين ولبس النفاق بالإذعان لمكان النفاق في نوع الإنسان ، وكلما كان أحد المتقابلين من الآخر أبعد كان الاشتباه أكثر وأشد فإن أرباب الرئاسة الدينية أمرهم في الأغلب غير مبين لمكان المرائين ، وهذه هي المصيبة الكبرى في الدين والفتنة العظمى لبيضة المسلمين وهي التي أوقعت الجماهير في الحرج وامالتهم عن سبيل المخرج ، إذ من الواجب اتباع الأذناب للرأس والرأس قد خفي في نفاق الناس ولذلك تقاتل الفئة التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله. انتهى.
وبالجملة فإنه لما كان علم الأخلاق الذي هو عبارة عن تحلية النفس بالفضائل