ويؤيد ما ذكرنا ما ورد في اخبار الفتوى والحكم مثل ما تقدم قريبا من قول أمير المؤمنين (عليهالسلام) (١) لشريح «يا شريح جلست مجلسا لا يجلسه إلا نبي أو وصي نبي أو شقي». وقول ابى عبد الله (عليهالسلام) (٢) «اتقوا الحكومة فإن الحكومة انما هي للإمام العالم بالقضاء العادل في المسلمين كنبي أو وصى نبي». والأخبار المانعة من تقليد العلماء واتباعهم إلا بعد معرفة عدالتهم كحديث على بن الحسين (عليهالسلام) المتقدم ذكره (٣) ونحوه ، فان الجميع ظاهر في النهي عن من لم يكن مستكملا لأسباب النيابة وشرائطها وأهلية الحكم والفتوى ، ولا ريب ان من أعظم الأسباب المانعة الفسق فهي ظاهرة في منع الفاسق من الجلوس في هذا المقام وان كان ظاهر العدالة بين الأنام وعدم جواز تقلده للاحكام. وجواز تقليد الناس له من حيث عدم ظهور فسقه لهم لا يدل على جوازه له لانه عالم بان الشارع قد منع الناس من اتباع الفاسق وتقليده وليس الا من حيث فسقه ، فالفسق صفة مانعة من تقلد هذه الأمور عند الله جل شأنه فكيف يجوز له مخالفة ذلك وتقلد الأمور بناء على ظن الناس العدالة فيه؟ وقد عرفت ان حكم الناس غير حكمه في حد ذاته.
وكلام من قدمنا كلامه وان كان مخصوصا بمسألة الشهادة والإمامة إلا ان الحكم في المواضع الثلاثة واحد ، فان مبنى الكلام هو انه هل يكتفى بظهور العدالة في جواز التقلد للأمور المشروطة بها وان لم يكن كذلك واقعا أم لا بد من ثبوتها واقعا؟ فالإشكال والكلام جار في جميع ما يشترط فيه العدالة وهذا أحدها ، وحينئذ فما ذكروه انما جرى مجرى التمثيل لا الحصر.
ومن أظهر الأدلة على ما قلناه ما رواه ابن إدريس في مستطرفات السرائر نقلا من كتاب السياري (٤) قال : «قلت لأبي جعفر (عليهالسلام) قوم من مواليك
__________________
(١ و ٢) الوسائل الباب ٣ من صفات القاضي وما يجوز ان يقضى به.
(٣) ص ٥٨.
(٤) الوسائل الباب ١١ من صلاة الجماعة.