إلى صفات العلقة ، وهي الدم الجامد (١)(فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً) أي : جعلنا ذلك الدم الجامد مضغة ، أي : قطعة لحم ، كأنها مقدار ما يمضع كالغرفة ، وهو ما يغترف.
وسمى التحويل خلقا ، لأنه تعالى يفني بعض أعراضها ، ويخلق أعراضا غيرها ، فسمى خلق الأعراض خلقا لها ، كأنه (٢) سبحانه يخلق فيها أجزاء زائدة (٣).
قوله : (فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظاماً) أي : صيرناها كذلك. وقرأ العامة : «عظاما» و «العظام» بالجمع فيهما ، وابن عامر ، وأبو بكر عن عاصم : «عظما» و «العظم» (٤) بالإفراد فيهما(٥) ، والسلمي والأعرج ، والأعمش بإفراد الأول وجمع الثاني (٦) ، وأبو رجاء ، ومجاهد ، وإبراهيم بن أبي بكر (٧) بجمع الأول وإفراد الثاني عكس (٨) ما قبله (٩). فالجمع (١٠) على الأصل ، لأنه مطابق لما يراد به ، والإفراد للجنس كقوله : (وَالْمَلَكُ صَفًّا)(١١) ، وكقوله : (وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي)(١٢).
وقال (١٣) الزمخشري : وضع الواحد موضع الجمع لزوال اللبس ، لأنّ الإنسان ذو عظام كثيرة (١٤). قال أبو حيان : وهذا عند سيبويه وأصحابه لا يجوز إلا (لضرورة) (١٥)(١٦) وأنشدوا :
٣٧٨٤ ـ كلوا في بعض بطنكم تعفّوا (١٧)
__________________
(١) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ٨٥.
(٢) في الأصل : كافانه. وهو تحريف.
(٣) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ٨٥.
(٤) في ب : والعظام. وهو تحريف.
(٥) السبعة (٤٤٤) ، الحجة لابن خالويه (٢٥٦) ، الكشف ٢ / ١٢٦ ، النشر ٢ / ٣٢٨ ، الإتحاف ٣١٨.
(٦) المحتسب ٢ / ٨٧ ، تفسير ابن عطية ١٠ / ٣٣٧ ، البحر المحيط ٦ / ٣٩٨.
(٧) إبراهيم بن أبي بكر بن عبد الرحمن الأنصاري ، مدني ، يروي عن أسامة بن سهل ، وروى عنه ابن جريج ، تهذيب التهذيب ١ / ١١١.
(٨) في الأصل : كعكس. وهو تحريف.
(٩) المحتسب ٢ / ٨٧ ، تفسير ابن عطية ١٠ / ٣٣٧ ، البحر المحيط ٦ / ٣٩٨.
(١٠) في الأصل : فجمع.
(١١) من قوله تعالى : «وَجاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا» [الفجر : ٢٢].
(١٢) من قوله تعالى : «قالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي» [مريم : ٤]. انظر التبيان ٢ / ٩٥١.
(١٣) في ب : قال.
(١٤) الكشاف ٣ / ٤٤. وقد وجه ابن جني لقراءة من قدم الإفراد ثم عقّب بالجمع أنه أشبه لفظا ، لأنه جاور بالواحد لفظ الواحد الذي هو «إنسان» و «سلالة» ونطفة و «علقة» و «مضغة» ثم عقب بالجماعة لأنها هي الغرض. ومن قدّم الجماعة بادر إليها إذ كانت هي المقصود ، ثم عاد فعامل اللفظ المفرد بمثله.
المحتسب ٢ / ٨٧.
(١٥) انظر الكتاب ١ / ٢٠٩.
(١٦) ما بين القوسين في ب : في ضرورة.
(١٧) صدر بيت من بحر الوافر ، وعجزه : فإن زمانكم زمن خميص.
وهو من الخمسين التي لم يعرف لها قائل ، الخميص : الجائع ، أي : زمان جدب ومخمصة.
والشاهد فيه وضع الواحد وهو (بطن) موضع الجمع وهو (بطون) لزوال اللبس وقد تقدم.