وإن كان معلوما أن كل واحد له بطن (١). قال شهاب الدين : ومثله :
٣٧٨٥ ـ لا تنكروا القتل وقد سبينا |
|
في حلقكم عظم وقد شجينا (٢) |
يريد في حلوقكم ومثله قول الآخر :
٣٧٨٦ ـ بها جيف الحسرى فأمّا عظامها |
|
فبيض وأمّا جلدها فصليب (٣) |
يريد جلودها ، ومنه (وَعَلى (٤) سَمْعِهِمْ)(٥)(٦).
قوله : (فَكَسَوْنَا الْعِظامَ لَحْماً) أي : ألبسنا ، لأنّ اللحم يستر العظم فجعله كالكسوة (لها) (٧)(٨) قيل (٩) : بين كل خلقين أربعون يوما. (ثُمَّ أَنْشَأْناهُ خَلْقاً آخَرَ) أي (١٠) : خلقا مباينا للخلق الأول مباينة ما أبعدها حيث جعله حيوانا ، وكان جمادا ، وناطقا وكان أبكم وسميعا وكان أصم وبصيرا وكان أكمه ، وأودع باطنه وظاهره بل كل جزء من أجزائه عجائب فطرة ، وغرائب حكمة لا يحيط بها وصف الواصفين (١١). قال ابن عباس (١٢) ومجاهد والشعبي وعكرمة والضحاك وأبو العالية : المراد بالخلق الآخر هو نفخ الروح فيه. وقال قتادة : نبات الأسنان والشعر ، وروى ابن جريج عن مجاهد : أنه استواء الشباب. وعن الحسن قال : ذكر أو أنثى.
وروى العوفي عن ابن عباس : أنّ ذلك تصريف أحواله بعد الولادة من الاستهلال إلى الارتفاع إلى القعود إلى القيام إلى المشي إلى أن يأكل ويشرب إلى أن يبلغ الحلم ، وخلق الفهم والعقل ويتقلب في البلاد إلى ما بعدها (١٣) إلى أن يموت.
قالوا : وفي هذه الآية (١٤) دلالة على بطلان قول النظام أن الإنسان هو الروح لا البدن ، فإنه سبحانه بيّن أنّ الإنسان هو المركب من هذه الأشياء (١٥). وفيها دلالة أيضا
__________________
(١) البحر المحيط ٦ / ٣٩٨.
(٢) رجز قاله المسيب بن زيد مناة الغنوي. يقول : لا تنكروا قتلنا لكم وقد سبيتم منا خلقا ، فقد شجيتم بقتلنا لكم ، كما شجينا نحن من قبل بمن سبيتم منا. وقد تقدم.
والشاهد فيه وضع الواحد وهو (حلق) موضع الجمع وهو (حلوق) لزوال اللبس.
(٣) البيت من بحر الطويل قاله علقمة بن عبدة. تقدم تخريجه والشاهد فيه كسابقيه.
(٤) في الأصل : على.
(٥) من قوله تعالى : «خَتَمَ اللهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَعَلى سَمْعِهِمْ» [البقرة : ٧]. واستشهد بها على وضع الواحد موضع الجمع. انظر البيان ١ / ٥٢ ، التبيان ١ / ٢٣.
(٦) الدر المصون : ٥ / ٨٤.
(٧) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ٨٥.
(٨) ما بين القوسين سقط من ب.
(٩) في ب : وقيل.
(١٠) أي : سقط من ب.
(١١) الفخر الرازي ٢٣ / ٨٥ ـ ٨٦.
(١٢) من هنا نقله ابن عادل عن البغوي ٦ / ١٠ ـ ١١.
(١٣) آخر ما نقله هنا عن البغوي ٦ / ١٠ ـ ١١.
(١٤) الآية : سقط من ب.
(١٥) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ٨٦.