قوله : (مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ) العامة على الجر في (مُخَلَّقَةٍ) وفي (غَيْرِ) على النعت. وقرأ ابن أبي عبلة بنصبهما (١) على الحال من النكرة ، وهو قليل جدا ، وإن كان سيبويه قاسه (٢).
والمخلقة : الملساء التي لا عيب فيها من قولهم : صخرة خلقاء ، أي : ملساء (٣) وخلقت السواك: سويته وملسته. وقيل : التضعيف في (مُخَلَّقَةٍ) دلالة على تكثير الخلق ؛ لأن الإنسان ذو أعضاء متباينة وخلق متفاوتة. قاله الشعبي وقتادة وأبو العالية (٤) وقال ابن عباس وقتادة : (مُخَلَّقَةٍ) تامة الخلق ، و (غَيْرِ مُخَلَّقَةٍ) أي ناقصة الخلق (٥). وأبو مجاهد : مصورة وغير مصورة ، وهو السقط(٦). وقيل : المخلقة من تمت فيه أحوال الخلق ، وغير المخلقة من لم يتم فيه أحوال الخلق قاله قتادة والضحاك(٧). وقيل : المخلقة (٨) الولد الذي تأتي به المرأة لوقته ، وغير المخلقة السقط. وروى علقمة عن ابن مسعود قال : «إن النطفة إذا استقرت في الرحم أخذها ملك بكفه ، وقال : أي رب (٩) مخلقة أو غير مخلقة ، فإن قال : غير مخلقة قذفها في الرحم دما ولم يكن نسمة ، وإن قال : مخلقة ، قال الملك : أي رب أذكر (١٠) أم أنثى أشقي (١١) أم سعيد ، ما الأجل ما العمل ما الرزق وبأي أرض تموت؟ فيقال له : اذهب إلى أم الكتاب فإنك تجد فيها كل ذلك ، فيذهب فيجدها في أم الكتاب فينسخها (١٢) فلا يزال معه حتى يأتي على آخر صفته». قوله : (لِنُبَيِّنَ لَكُمْ) أي : لنبين لكم كمال قدرتنا وحكمتنا في تصريف أطوار خلقكم لتستدلوا بقدرته في ابتداء الخلق على قدرته على الإعادة (١٣) وقيل : لنبين لكم أن تغيير الصفة والخلقة هو اختيار
__________________
(١) لما كان الحال خبرا في المعنى ، وصاحبها مخبرا عنه أشبه المبتدأ فلم يجز مجيء الحال من النكرة غالبا إلا بمسوغ من مسوغات الابتداء بها ، ومن النادر قولهم : عليه مائة بيضا ، وفيها رجل قائما ، واختار أبو حيان مجيء الحال من النكرة بلا مسوغ كثيرا قياسا ونقله عن سيبويه ، قال سيبويه في باب ما لا يكون الاسم فيه إلا نكرة : (... وقد يجوز نصبه على نصب هذا رجل منطلقا ، وهو قول عيسى. وزعم الخليل أن هذا جائز ، ونصبه كنصبه في المعرفة ، جعله حالا ولم يجعله صفة. ومثل ذلك مررت برجل قائما ، إذا جعلت المرور به في حال قيام. وقد يجوز على هذا : فيها رجل قائما ، وهو قول الخليل رحمهالله. ومثل ذلك : عليه مائة بيضا ، وعليه مائة عينا ، والرفع الوجه) الكتاب ٢ / ١١٢ ، انظر البحر المحيط ٦ / ٣٥٢ ، الهمع ١ / ٢٤٠.
(٢) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ٩.
(٣) الفخر الرازي ٢٣ / ٩.
(٤) انظر البحر المحيط ٦ / ٣٥٢.
(٥) انظر البغوي ٥ / ٥٥٣.
(٦) انظر البغوي ٥ / ٥٥٣.
(٧) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ٩.
(٨) من هنا نقله ابن عادل عن البغوي ٥ / ٥٥٣ ـ ٥٥٤.
(٩) في الأصل : رب أي. وهو تحريف.
(١٠) في ب : ذكر. وهو تحريف.
(١١) في ب : شقي. وهو تحريف.
(١٢) في الأصل : فنسخها. وهو تحريف.
(١٣) آخر ما نقله هنا عن البغوي ٥ / ٥٥٣ ـ ٥٥٤.