وفسره الزجاج في عبارته بالمصدر ، فقال : البعد لما توعدون (١) ، أو بعد لما توعدون (٢) فظاهرها أنه مصدر بدليل عطف الفعل عليه ، ويمكن أن يكون فسّر المعنى فقط.
و «هيهات» اسم لفعل قاصر (٣) برفع الفاعل (٤) ، وهنا قد جاء ما ظاهره الفاعل مجرورا باللام فمنهم من جعله على ظاهره وقال : (ما تُوعَدُونَ) فاعل به ، وزيدت فيه اللام التقدير : بعد بعد ما توعدون (٥) ، ، وهو ضعيف : إذ لم يعهد زيادتها في الفاعل. ومنهم من جعل الفاعل مضمرا لدلالة (٦) الكلام عليه ، فقدره أبو البقاء : هيهات التصديق ، أو : الصحة لما توعدون (٧). وقدّره غيره : بعد إخراجكم (٨). و (لما توعدون) للبيان ، قال الزمخشري : لبيان المستبعد ما هو بعد التصويت بكلمة الاستبعاد كما جاءت اللام في (هَيْتَ لَكَ)(٩) لبيان المهيت به (١٠). وقال الزجاج : «البعد لما توعدون» (١١) فجعله مبتدأ والجار بعد الخبر. قال (١٢) الزمخشري : فإن قلت : (ما توعدون) هو المستبعد ، فمن حقه أن يرتفع ب «هيهات» كما ارتفع بقوله :
٣٧٩٣ ـ هيهات هيهات العقيق وأهله (١٣)
فما هذه اللام؟ قلت : قال الزجاج في تفسيره : البعد لما توعدون أو بعد لما توعدون فيمن (١٤) نون ، فنزّله منزلة المصدر (١٥). قال أبو حيان : وقول (١٦) الزمخشري (فمن نوّنه نزّله منزلة المصدر) ليس بواضح ، لأنهم قد نوّنوا أسماء الأفعال ولا نقول : إنها إذا نوّنت تنزلت منزلة المصادر (١٧). قال شهاب الدين : الزمخشري لم يقل كذا ، إنما
__________________
ـ أعقّة وعقائق ، وفي بلاد العرب مواضع كثيرة تسمى العقيق. والمراد به هنا : واد بالحجاز. والشاهد فيه مجيء «هيهات» بمعنى بعد ورفع العقيق بعده على الفاعلية ، و «هيهات» الثانية للتوكيد.
(١) معاني القرآن وإعرابه ٤ / ١٢.
(٢) معاني القرآن وإعرابه ٤ / ١٣.
(٣) في ب : فاخبر. وهو تحريف.
(٤) انظر شرح التصريح ٢ / ١٩٩ ، والهمع ٢ / ١٠٥.
(٥) قال الفراء : (وقوله : «هَيْهاتَ هَيْهاتَ لِما تُوعَدُونَ» لو لم تكن في (ما) اللام كان صوابا) معاني القرآن ٢ / ٢٣٥. وانظر أيضا التبيان ٢ / ٩٥٤.
(٦) في الأصل : في دلالة.
(٧) التبيان ٢ / ٩٥٤.
(٨) انظر البيان ٢ / ١٨٤.
(٩) من قوله تعالى : «وَراوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِها عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوابَ وَقالَتْ هَيْتَ لَكَ» [يوسف : ٢٣]. والشاهد فيها أن (هيت) اسم فعل ، واللام للتبيين. التبيان ٢ / ٧٢٨.
(١٠) الكشاف ٣ / ٤٧.
(١١) معاني القرآن وإعرابه ٤ / ١٢.
(١٢) في الأصل : قاله.
(١٣) صدر بيت من بحر الطويل ، قاله جرير ، وعجزه :
وهيهات خلّ بالعقيق نواصله
تقدم تخريجه.
(١٤) في الأصل : فمن.
(١٥) الكشاف ٣ / ٤٧.
(١٦) في الأصل : قال.
(١٧) البحر المحيط ٦ / ٤٠٥.