وثانيهما : كثرة الأيمان ، وهو ضرب من الجرأة على الله ، وابتذال لاسمه في كل حق وباطل ، وتقول : هذا الشيء عرضتي ، إذا كنت لا تزال معرض له ، وهو عرضة للناس ، إذا كانوا لا يزالون يقعون فيه ، والناقة عرضة أسفار ؛ إذا كان صاحبها لا يزال يسافر عليها ، وقال حسان :
هم الأنظار عرضتها اللّقاء
وقال الله في الممتحنة : (أَنْ تَبَرُّوهُمْ) [سورة الممتحنة آية : ٨].
الثاني : بمعنى الطاعة ؛ قال الله : (وَتَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوى) [سورة المائدة آية : ٢] ، أي : على طاعة الله ، ومثله : (وَتَناجَوْا بِالْبِرِّ وَالتَّقْوى) [سورة المجادلة آية : ٩] ، أي : بالطاعة دون المعصية ، وقال : (وَبَرًّا بِوالِدَتِي) [سورة مريم آية : ٣٢] ، أي : مطيعا لها ، وقال : (كِرامٍ بَرَرَةٍ) [سورة عبس آية : ١٦] ، أي : مطيعون ، وقال : (كَلَّا إِنَّ كِتابَ الْأَبْرارِ) [سورة المطففين آية : ١٨] ، أي : المطيعين ، كذا جاء في التفسير ، وهو وجه ، ولو جعلت ذلك بمعنى الصلة واللطف.
الثالث : بمعنى الثواب ، قال الله : (لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ) [سورة آل عمران آية : ٩٢] ، يعني : الثواب.
الرابع : التقوى ، قال : (لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ) [سورة البقرة آية : ١٧٧] ، يعني : التقوى ، وأراد توكيد ما احتج به على سفهاء أهل الكتاب في إنكارهم على المسلمين توجههم إلى الكعبة بعد توجههم إلى بيت المقدس ، فقال : ليس البر كله في التوجه إلى المشرق والمغرب في الصلاة : (وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللهِ) [سورة البقرة آية : ١٧٧] ، أي : البر بر من آمن بالله ، وهو التقوى ، هكذا جاء في التفسير.
وليس ببعيد أن يكون البر هاهنا بمعنى الطاعة ، ويسمى الطاعة برا في قولهم : هذا من أعمال البر ، أي : مما يطاع الله به ، وحذف لبر الثاني لبيان المعنى ، كما قال الشاعر :
وكيف تخالل من أصبحت |
|
خلالته كأبي مرجب |
أي كخلال أبي مرجب.