الخامس : الخلق ، قال : (إِنَّا جَعَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا) [سورة الزخرف آية : ٣] ، أي : خلقناه كذلك ، وأحدثناه ومثله : (جَعَلَ الْأَرْضَ قَراراً) [سورة النمل آية : ٦١] ، أي : خلقها صلبة يمكن الاستقرار عليها ، ومثله : (وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً) [سورة المؤمنون آية : ٥٠] ، أي : خلقه من غير ذكر ، فصار عبرة وعلامة.
السادس : الحكم ، قال الله تعالى : (وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالْأَنْعامِ نَصِيباً)(١) [سورة الأنعام آية : ١٣٦] ، أي : حكموا بذلك.
والمراد أنهم حكموا بأن لله نصيبا في زروعهم ومواشيهم ولأصنامهم نصيبا فيها ، وسماهم شركائهم ؛ لأنهم جعلوا بعض أموالهم لها ، ثم كانوا يصرفون مما جعلوه لله إلى أوثانهم فينفقونه عليها ولا يصرفون ما جعلوه لأوثانهم إلى ما يتقربون به إلى الله ، وقيل الأنعام هاهنا البحيرة والسائبة.
فأما قوله : (وَكَذلِكَ جَعَلْنا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ) [سورة الفرقان آية : ٣١] ، فمعناه أنه جعل نبيه عدوا له ؛ لأنه فرض عليه محاربتهم ومناصبتهم ، فإذا جعل النبي عدوا لهم ، فقد جعلهم عدوا له ، وليس معنى ذلك أنه أمره بعداوته وأرادها منهم أو خلقها فيهم لأنه لو فعل ذلك لم يذمهم عليه ، وقوله : (وَلا تَجْعَلُوا اللهَ عُرْضَةً لِأَيْمانِكُمْ) [سورة البقرة آية : ٢٢٤] ، أي : لا تجعلوا القسم بالله عرضة لإيمانكم فتكثروا الحلف ، وكذلك :
__________________
(١) قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره : وجعل هؤلاء العادلون بربهم الأوثان والأصنام لربهم مِمَّا ذَرَأَ خالقهم ، يعني : مما خلق من الحرث والأنعام. يقال منه : " ذرأ الله الخلق يذرؤهم ذرءا ، وذروا" ، إذا خلقهم.
" نصيبا" ، يعني قسما وجزءا.
ثم اختلف أهل التأويل في صفة النصيب الذي جعلوا لله ، والذي جعلوه لشركائهم من الأوثان والشيطان.
فقال بعضهم : كان ذلك جزءا من حروثهم وأنعامهم يفرزونه لهذا ، وجزءا آخر لهذا.
وقال آخرون : " النصيب" الذي كانوا يجعلونه لله فكان يصل منه إلى شركائهم : أنهم كانوا لا يأكلون ما ذبحوا لله حتى يسمّوا الآلهة ، وكانوا ما ذبحوه للآلهة يأكلونه ولا يسمون الله عليه. [جامع البيان : ١٢ / ١٣٤]