الثاني : بمعنى التخلية ، قال تعالى : (وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً) [سورة الأنعام آية : ١٢٥] أي : يخلي بينه وبين ما يخرج به صدره من الكفر ؛ لأن مع الإيمان ثلج الصدور ، وليس ذلك مع الكفر.
وأما الطبع والختم واللعن والأكنة والوقر والعمى والصمم والبكم والرجس ونحو ذلك فإنه ذم وليس بمن ذكره إلا بعد ذكر المعصية ولزمهم هذه الأسماء جزاءا لذنوبهم ، ويجوز أن يكون تسميته إياهم بهذه الأسماء على جهة التمثيل ؛ لأنا نعلم أنه ليس على بصر الكافر غشاوة.
الثالث : منع الإلطاف ؛ قال الله تعالى : (وَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجاباً مَسْتُوراً) [سورة الإسراء آية : ٤٥] أي : تمنعه ألطافنا فيعرض عن القرآن ولا ينتفع به ؛ فكأنا جعلنا بينه وبينه حجابا ، ولو علم أن ألطافه تنفعه ما منعه إياها ولكنها لا تنفعه فهو بمنزلة من لا ألطاف له ولو كان الطبع والختم وما بسبيلهما منعا لهم عن الإيمان لما قال : (وَأَنِيبُوا إِلى رَبِّكُمْ) [سورة الزمر آية : ٥٤].
الرابع : بمعنى الوصف ؛ قال : (وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ الْجِنَ) [سورة الأنعام آية : ١٠٠] و : (الْجِنَ) هاهنا الملائكة سموا بذلك لاستتارهم عن الأبصار ، وأصل الجن والجنة ، والجنة والجنون الستر ، أي : وصفوا الملائكة بأنهم شركاء الله ، ونحوه قول الرجل لمن يصفه باللصوصية : جعلتني لصا ، أي : وصفتني بذلك ، ونحوه قوله : (وَجَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبادِهِ جُزْءاً) [سورة الزخرف آية : ١٥] ، قال بعض أهل اللغة : الجزء هاهنا بمعنى الإناث ، يقال : أجزئت المرأة إذا ولدت أنثى ، وأنشد :
إن أجزأت حرّة يوما فلا عجب |
|
وقد تجزئ الحرة المذكار أحيانا |
ويجوز أن يكون الجن في قوله تعالى : (شُرَكاءَ الْجِنَ) [سورة الأنعام آية : ١٠٠]. الجن المعروف.
وكان بعض العرب يذهب إلى أن سروات الجن بنات الله ، فرد الله ذلك بهذا القول وشرح ذلك جرى في كتابنا في التفسير.