الكافر ، ويجوز أن يكون أراد أنكم كنتم ترابا فجعلكم أحياء ، والجماد قد تسمى ميتا على جهة التوسع ؛ لأنه عدم الحس والحركة.
الثاني : محي الحي بمعنى العاقل العارف ، قال الله : (لِيُنْذِرَ مَنْ كانَ حَيًّا) [سورة يس آية : ٧٠] ، ونحوه قول الشاعر :
لقد أسمعت لو ناديت حيّا |
|
ولكن لا حياة لمن تنادي |
أي : لو تنادي عاقلا ، والمراد أنه لا يستعمل عقله ، ولو لم يكن له عقل أصلا لم يكن مكلفا.
الثالث : الحي بمعنى المهتدي ، قال الله : (أَوَمَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ) [سورة الأنعام آية : ١٢٢] ، أي : كافرا فهديناه ونحوه قوله تعالى : (وَما يَسْتَوِي الْأَحْياءُ وَلَا الْأَمْواتُ) [سورة فاطر آية : ٢٢ ،] معناه لا يستوي المؤمن ولا الكافر ، فأخرج ما لا يقع عليه الحاسة إلى ما يقع عليه الحاسة ، كما قال : (أَعْمالُهُمْ كَرَمادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عاصِفٍ) [سورة إبراهيم آية : ١٨] ، وما كان يجري هذا المجرى ، وهو أعظم في البيان ؛ لأن العيان فضلا على ما سواه.
الرابع : الحياة بمعنى البقاء ، قال : (وَلَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ يا أُولِي الْأَلْبابِ)(١) [سورة البقرة آية : ١٧٩] ، يعني : أن من يعرف أنه إذا قتل اقتص منه كف عن القتل فبقى.
__________________
(١) قال الرازي : اتفق علماء البيان على أن هذه الآية في الإيجاز مع جمع المعاني باللغة بالغة إلى أعلى الدرجات ، وذلك لأن العرب عبروا عن هذا المعنى بألفاظ كثير ، كقولهم : قتل البعض إحياء للجميع ، وقول آخرين : أكثروا القتل ليقل القتل ، وأجود الألفاظ المنقولة عنهم في هذا الباب قولهم : القتل أنفى للقتل ، ثم إن لفظ القرآن أفصح من هذا ، وبيان التفاوت من وجوه : أحدها : أن قوله : (وَلَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ) أخصر من الكل ، لأن قوله : (وَلَكُمْ) لا يدخل في هذا الباب ، إذ لا بد في الجميع من تقدير ذلك ، لأن قول القائل : قتل البعض إحياء للجميع لا بد فيه من تقدير مثله ، وكذلك في قولهم : القتل أنفى للقتل فإذا تأملت علمت أن قوله : (فِي الْقِصاصِ حَياةٌ) أشد اختصارا من قولهم : القتل أنفى للقتل وثانيها : أن قولهم : القتل أنفى للقتل ظاهرة يقتضي كون الشيء سببا لانتفاء نفسه وهو محال ، وقوله : (فِي الْقِصاصِ حَياةٌ) ليس كذلك ، لأن المذكور هو نوع من القتل وهو القصاص ، ثم ما جعله سببا لمطلق الحياة لأنه ذكر الحياة منكرة ، بل جعله سببا لنوع من أنواع الحياة وثالثها : أن قولهم القتل أنفى للقتل ، فيه تكرار